القيادة الفاعلة في زمن التحديات «1 من 2»
نتساءل دوما، لماذا تحاول بعض الأجهزة الحكومية أن تأوي إلى مكان يعصمها من طوفان التنمية فتتردى إنتاجيتها، وتجنح للمهام الهامشية، وتتلاشى الكفاءة والفاعلية بانحرافها عن المسار المفترض؟ وفي المقابل، لماذا تتميز بعض الأجهزة الحكومية الأخرى؟ فبضدها تتميز الأشياء.
لا شك أن السبب يعود إلى غياب أو وجود "القيادات الإدارية" المبدعة والمؤهلة من جميع النواحي، التي تمتلك الدراية والحكمة والقرار السليم. فالقيادات هي المحرك الرئيس للعملية الإدارية الناجحة. كما أنها المسؤولة عن توفير المناخ الملائم الذي يشجع ويحفز العاملين لاستخدام أقصى طاقاتهم، وإمكاناتهم البشرية، لخدمة المواطنين، ومساعدة المنظمات لتحقيق أهدافها بتميز. فهي من تقود دفة التغيير، وليس مجرد تسيير الأعمال اليومية والإبقاء على الأمور على ما هي عليه.
وفي هذا السياق، شهدت الفترة ما بين 10 و12 من شهر صفر الجاري انعقاد مؤتمر رفيع المستوى، تحت عنوان "القيادات الإدارية الحكومية في المملكة العربية السعودية: الواقع والتطلعات"، بتنظيم من معهد الإدارة العامة"، وبرعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
افتتح الدكتور عبدالرحمن البراك وزير الخدمة المدنية هذا المؤتمر الذي غطى عددا من المحاور والموضوعات المتعلقة بالقيادات الحكومية، وأتاح منصة مثالية تجمع الممارسين بالأكاديميين والمختصين المحليين والعالميين، لمناقشة آخر المستجدات في موضوع القيادات الإدارية الحكومية. كما أكد عمق التفاعل بين معهد الإدارة العامة والجامعات ومؤسسات التنمية الإدارية بحسب أنها مصدر الفكر العلمي الأصيل، وبين المنظمات العامة باعتبارها حقلا لتطبيق العملي والواقعي لقواعد ونظريات هذه العلوم. جدير بالذكر أن المؤتمر قد سجل تسلم أكثر من (120) ملخصا بحثيا للمشاركة فيه من قبل الباحثين والمتخصصين والأكاديميين. قبل منها العديد من البحوث العلمية الرصينة، إضافة إلى إقامة حوارات علمية جادة، هدفها تبادل الأفكار والخبرات المحلية والعالمية، التي أجمعت على أهمية دور القيادات، وتقاطعت في ضرورة بناء صف ثان من القيادات المؤهلة، والقادرة على تولي المناصب القيادية في حال شغورها لأي سبب من الأسباب (ترقية، تقاعد، استقالة، نقل، وفاة..)، كما رأت كثير منها أن "الأقدمية" ليست الطريقة المثلى التي يمكن من خلالها التمييز بين الشخص الكفء وغير الكفء، فالقيادة لا تكتسب بالأقدمية على الإطلاق.
ولقد كان من أبرز قطاف المؤتمر، التوصية بإنشاء "مركز لإعداد وتنمية القيادات"، تفعيل خطط التعاقب القيادي الحكومي، تعزيز ممارسة الدور القيادي للمرأة، بناء "قاعدة بيانات" شاملة للقيادات على مستوى الوطن، تطبيق مفاهيم "الحوكمة والتمكين والتدوير الوظيفي"، شغل المناصب القيادية بناء على معايير "الجدارة" الذي تؤكد عليه نظم الخدمة المدنية، إيجاد آليات للاكتشاف المبكر للقيادات الشابة، تبني مفهوم "العلاقة التعاقدية" بدلا من "العلاقة اللائحية"، ووضع آليات للتكامل بين القيادات الاستراتيجية والمديرين التنفيذيين.
وما نأمله جميعنا هو أن يكون هذا المؤتمر هو "بذرة" لمرحلة إنقاذ حقيقية، وفق أسس ومعايير واضحة، تعيد وضع الأمور في نصابها الصحيح، وتساهم في بناء أجهزة حكومية فاعلة، وجديرة بالثقة.