التمثيل الضوئي .. من عالم النبات إلى مستقبل الطاقة في العالم
تتسم فكرة التمثيل الضوئي بالوضوح الشديد: إنها العملية التي تقوم بها النباتات عندما تحول ضوء الشمس إلى غذاء. ولكن في ظل توقع تضاعف الطلب العالمي على الطاقة بحلول منتصف القرن وتحذير العلماء من حتمية الحد من انبعاثات الوقود الأحفوري في الوقت نفسه لتجنب أسوأ آثار يمكن تخيلها لتغير المناخ، تتزايد أهمية التمثيل الضوئي الذي يمثل خريطة طريق للمستقبل. ويجب أن يكون دافعنا هو العمل على التعلم من عملية التمثيل الضوئي في بحثنا عن طرق لتجميع طاقة الشمس بتكلفة أقل بكثير من أي تقنية حالية. وإذا تكلل هذا الجهد بالنجاح فإن ذلك سيسرع التقدم نحو حلول طاقة طويلة المدى للوفاء باحتياجات العالم من الطاقة.
ونحن ككوكب نحتاج إلى حل هذه المشكلة، ومعظم الناس يتفقون على أن الحل لن يكون عبر حث الناس على التوقف عن استخدام الطاقة. وليس الهدف هو التوصل إلى جهاز من نوع جديد للطاقة الشمسية على المدى القريب، ولكنه وضع الأساس العلمي لثورة الجيل القادم من الطاقة الشمسية التي قد تمثل تماما ما يحتاج إليه العالم بعد بضعة عقود من الآن في ظل تزايد الضغط باتجاه التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بطريقة كبيرة.
والسؤال هو: هل يستطيع العلماء أن يتعلموا شيئا مما حدث قبل بلايين السنين، عندما بدأت مجموعات معينة من الميكروبات في إنتاج أصباغ متخصصة يمكنها تحويل الطاقة الشمسية إلى روابط كيماوية. وانتهى الأمر بإحدى هذه المجموعات - البكتيريا الزرقاء- أن جمعت بين شكلين منفصلين من التمثيل الضوئي في عملية محسنة واحدة تعظم من إنتاجية الطاقة بكفاءة عالية وبشكل مذهل. وحدث في وقت لاحق أن اختارت الخلايا النباتية بشكل جماعي توظيف تلك العملية مما ممهد الطريق للحياة كما نعرفها. وإذا انتقلنا سريعا إلى العصر الحالي نجد أن ناتج الطاقة التي يقدمها إجمالي التمثيل الضوئي الحادث في العالم اليوم يبلغ نحو عشرة أضعاف ما تستهلكه الحضارة الإنسانية مجتمعة.
يا له من مثال مثير، والأكثر إثارة أننا حتى الآن لم نكتشف الأمر على حقيقته كما ينبغي. التحدي الذي يواجه الباحثين هو أنه على عكس الطاقة الشمسية التقليدية - التي تستخدم أشباه الموصلات المصنوعة من السيليكون لتحويل الضوء إلى كهرباء – فالتمثيل الضوئي معقد بشكل رائع ولا بد معه من الانغماس في عالم فيزياء الكم المخيف، حيث يمكن للجزيئات التي تحمل شحنات كهربائية أن تبدو متواجدة في أكثر من مكان واحد في الوقت نفسه. وقد بدأ التقدم المحرز أخيرا في الكشف عن كيف يمكن لهذا السحر الجزيئي أن يحقق الأشياء التي لا يستطيع العلماء إلى الآن سوى أن يحلموا بها، بما في ذلك فصل الكربون من الهواء واستخدامه لتكوين السكر بالحد الأدنى من الطاقة المبذولة للحصول على عائد أعلى بكثير.
ولكن حتى إذا أمكن فهم تعقيدات عملية التمثيل الضوئي بكامل التفاصيل، فإنه قد لا يكون من الممكن تكرارها على المستوى الجزيئي. ولكن الأكثر أهمية من الناحية العملية هو استخلاص المجموعة الصحيحة من قواعد التصميم التي يمكن تطبيقها بعد ذلك على النسخ المهندسة بشريا من التمثيل الضوئي.
وما حققناه حتى الآن هو أمر مدهش، ولكن السؤال المخيف هو: كم يجب على العلم أن يحقق قبل أن يقدم للعالم حلا للطاقة قابلا للتطبيق من الناحية الاقتصادية؟ إننا في حاجة للتوصل إلى كيفية تقليل الخسائر، وخفض التكلفة، وزيادة عمر الأجهزة. إن السيليكون رخيص حقا، إلا أننا في حاجة إلى الأرخص والأفضل لإحداث الفرق والمساعدة على تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد طاقة متجددة.
ويمتلئ تاريخ بحوث الطاقة بالأمثلة التي تثبت أن تحقيق بعض الحلول العملية أصعب بكثير مما كان متوقعا. وكلما صعبت المشكلة، عظم خطر فشل الجهود المبذولة لحلها في تحقيق أي شيء. ولكن الخطر هو سمة من سمات البحوث المتطورة التي غالبا ما تتطلب النظر إلى المشكلة الفنية بطرق جديدة. نحن لا نريد الانشغال بما لا جدوى منه، ولكننا أيضا لا نسعى وراء أمور لا تعدو أن تكون مجرد كماليات. وبالطبع يرغب الجميع في تكليل كل هذا الجهد بالنجاح، ولكن إذا حدث ذلك علينا أن نتساءل إذا كنا حقا نتحمل من المخاطر ما فيه الكفاية أم لا.