هل نتغير بتغير حاجاتنا؟

الإنسان محكوم ببيئته المحيطة، يتأثر بها ويؤثر فيها بأشكال ونسب مختلفة، وتحكم هذا التأثير عناصر عديدة كدرجة التعليم والثقافة ومستوى الوعي العام الذي يعيش الإنسان بين جنباته. من هنا، غير الإنسان بيئته التي يعيش فيها مرات عديدة، وتغير هو ليستطيع أن يعيش وسط بيئته في مرات أخرى، إلا أن التغيير والتغير هو السمة التي ستظل أصيلة في الإنسان. وبمعنى آخر الإنسان يتكيف لينجز مصالحه بحسب ما هو متاح من حوله من أدوات.
ربما يمتعض البعض من كلمة مصلحة أو مصالح، لأن ثقافتنا العامة تشجع الفرد على نكران ذاته ـــ بما فيها مصالحه ـــ من أجل الآخرين، وأجد أن هذا الأمر جدير بالتأمل. صفة التغير صفة أصيلة في كل ما خلق الله سبحانه من حولنا، فحياتنا اليوم تختلف اختلافا كبيرا عن حياة آبائنا وأجدادنا، وبطبيعة الحال، فإن الحاجات تختلف، فما كان مكروهاً في السابق ــــ كخروج المرأة للعمل مثلا ـــ أصبح اليوم حاجة أساسية، وما كان مقبولاً في الماضي ـــ كعقاب الطلاب بالضرب في المدارس ـــ أصبح مكروها وممنوعا، بالنتيجة، غير الإنسان من نفسه لينسجم مع متطلبات حياته ومع درجة الوعي التي وصل إليها. وفي زوايا أخرى، نجد الإنسان قد غير وبدل حتى في تضاريس الأرض لحماية مصالحه، لأن هذا شيء فطري، قد نمارسه كل يوم بوعي أو دون وعي وانتباه منا. من هذا المنطلق نقول إن حماية الإنسان لمصالحه الشخصية أو مصالح مجتمعه أو دولته أمر محمود وليس مرفوضا، بل هو واجب من واجبات الإنسان تجاه نفسه ومحيطه الذي يعيش فيه. اليوم نحن نعيش في بيئة تتغير بوتيرة متسارعة بدرجة تصعب على الفهم والإدراك والتفكير. إن كل ما يحصل حولنا هو مؤشر لتحول كبير تشهده منطقتنا وبلدنا، ومن الطبيعي أن يؤثر فينا بطريقة أو بأخرى، والمملكة ليس بلدا صغيرا لا بمساحته ولا بأهميته الاقتصادية أو السياسية، وإذا ما نظرنا وتمعنا في تكويننا الديموغرافي والاقتصادي، سنعرف أن تأثير ما يحصل من حولنا ليس بالأمر الهين ولا السهل. هناك أكثر من 50 في المائة من السعوديين تحت سن 30 عاما، وهناك 70 في المائة منا تحت سن 45 عاما، معظمهم من الطبقة الوسطى، تشترك كل من الفئات العمرية والاقتصادية المذكورة هنا في سرعة تأثرها بالمجريات التي تدور حولها، في ظل انسياب رهيب للمعلومة منهم وإليهم، وهذا ما يجعل الأمر جديرا بالتأمل. لقد آن الأوان لإعادة تعريف حاجاتنا ورؤيتنا لمستقبل بلدنا بناء على ما جد ويستجد من متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، فكما تغير العالم كله بسرعة بعد الحربين العالميتين، فهو يتغير اليوم بشكل أعقد وأصعب على الفهم والتحليل، وسيكون أصعب غدا بطبيعة الحال. إذا واجهنا هذه التغييرات بجمود قطعا سننكسر، أما إذا واجهناها بالعلم والمنطق والتحليل، فإننا قطعا سنكون أقوى وأقدر على تجاوزها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي