الطعام والنموذج الفرنسي
أمر طبيعي أن تكون أرقام هدر الطعام كبيرة ومروعة في مجتمع تعود وعاش وتربى على الاستهلاك العالي للطعام والتفاخر عند إقامة الولائم، أمر طبيعي أن يكون المعدل عاليا في "الهدر" عندما تكون أغلب محاولاتنا للحد منه خجولة ولا تتجاوز النصح والإرشاد.
بالطبع لم أستغرب وأنا أقرأ الرقم العالي الذي كشفت عنه أمانة محافظة جدة حول مخلفات الأطعمة في المحافظة، التي تصل إلى أربعة آلاف طن في اليوم الواحد وخلال الأيام العادية، ويرتفع الرقم إلى 5.3 ألف طن في أيام رمضان.
لا شك أن الرقم مرتفع لأن كل المبادرات حول أهمية حفظ الطعام والاستفادة منه وعدم هدره ما زالت مبادرات خجولة تتمحور حول النصائح والإرشاد، ورغم الجهود التي تقوم بها جمعية "إطعام" فاليد الواحدة لا تصفق.
للحد من هدر الطعام يتطلب أن تكون هناك مبادرات تتبناها الجهات الحكومية وتعمل عليها لترسخها في أنفس الناس، إضافة إلى ضرورة سن قوانين وعقوبات يخشاها الجميع وتسهم في الحد من تلك الظاهرة.
هدر الأطعمة قضية نجدها في كل دول العالم حتى الفقيرة منها، والأرقام في هذا الجانب مهولة ومروعة، حيث كشفت منظمة الزراعة والأغذية "فاو" أن الطعام المهدر عالميا يكفي لإطعام كل جياع العالم البالغ عددهم نحو 800 مليون شخص.
هناك أبحاث عالمية وخطط وتجارب أجرتها عديد من المنظمات الدولية، إضافة إلى قوانين سنتها عديد من الدول للحد من هدر الأطعمة، ولعل من أبرزها التجربة الفرنسية التي أرى أنها الأفضل، ويمكن استنساخها وتطويرها وتطبيقها لدينا.
الحكومة الفرنسية سنت قانونا جديدا يحظر على محال السوبرماركت الكبرى والصغرى التخلص من المواد الغذائية غير المبيعة، والتبرع بها للجمعيات الخيرية التي بدورها توزعها للمحتاجين في الأحياء الفقيرة في المدن الفرنسية، كما فرضت غرامة مالية ضخمة عبارة عن 75 ألف يورو عن كل مخالفة يتم ضبطها.
أيضا القانون الفرنسي لم يكتف بذلك، بل طال أيضا الأطعمة منتهية الصلاحية وحظر التخلص منها ورميها كنفايات، وطالب المحال التجارية بالتبرع بها للمزارع كعلف للحيوانات أو سماد للأرض.
يمكن تطبيق النموذج الفرنسي في السعودية، خاصة متى ما علمنا أن أغلب الطعام المهدر يأتي من المطاعم بالدرجة الأولى ثم من المحال التجارية المختصة ببيع الأغذية، وتلك يمكن مراقبتها وحصرها ومعاقبتها كما نفعل عند التلاعب بالأسعار.