كيف تجعل طفلك يحب الكتب؟

حرص الدكتور يوسف الدخيل، عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، على تأسيس مكتبة ضخمة. يجمع فيها كل الكتب التي قرأها أو بصدد قراءتها. كل ما تقع يداه عليه من مخطوطات ومنشورات ومجلدات ومجلات بعضها نفيسة ونادرة. كان يهدف أستاذ الحديث أن ينتفع منها الجميع في حضوره وغيابه. جمع نحو 40 ألف كتاب من مختلف الألوان والفنون والآداب في دور كامل في منزله الكائن في حي النسيم خلف محطة النسيم في المدينة المنورة. كانت المكتبة جنة لطلابه وأبنائه الذين تربوا بين أجنحتها وجوانحها، بين أرففها وتحت سقفها. نشأوا جميعا وهم يرون والدهم يقرأ الكتب بجوع ويردد عليهم فوائدها ودررها. سحرهم تعلق أبيهم بهذه الأوراق وأذهلتهم عنايته البالغة بها. فقد كان يكتب قصة كل كتاب على أغلفته الداخلية. من أين حصل عليه بالتفصيل الدقيق، وكيف حصل عليه، وكم سعره عندما اشتراه، والمكتبات التي توفره. قصص شراء كتب الدكتور يوسف لكتبه تفوق دهشة وجمالا الكتب التي تتوسدها.
عندما توفي الدكتور يوسف، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، واجه أبناؤه تحديا كبيرا كيف يحافظون على الكنز وكيف يصبح متاحا للعامة. رفضوا كل إغراءات الشراء التي هطلت عليهم من كل مكان ورأوا أن يتخذوا خطوة رائدة. تتجسد هذه الخطوة في جعل مكتبة والدهم مكتبة عامة متاحة للجميع رجالا ونساء يوميا من الساعة الخامسة حتى التاسعة مساء. ووضعوا عليها أمينا متفرغا لخدمة زوارها الذين يضربون أحيانا أكباد الطائرات للاطلاع على ما تكتنزه هذه المكتبة مِن جواهر بين ضلوعها. فحافظوا على إرث والدهم وأصبحت صدقة جارية له لا تنقطع. ناهيك عن السعادة التي رسموها على وجوه كل مرتاديها.
تشرفت بزيارة هذه الجنة والالتقاء بالمشرف العام على المكتبة ابن المغفور له، الدكتور عزام، بعد دعوة تلقيتها من ابنته المثقفة صبا، وذهلت مما رأيت وشاهدت ونقلته في تغطية مباشرة للمتابعين عن طريق حسابي في سناب تشات، وفوجئت أن كثيرين من المهتمين من أهل المدينة لا يعلمون عنها شيئا.
لكن الذي أعلمه أن هذه المبادرة العظيمة التي ستخلد اسم الدكتور يوسف طويلا وستمنحه أجرا كبيرا ثمرة لتربيته وحسن صنيعه، وذلك عندما ربى أبناءه على عشق المكتبة والكتب.
هنيئا لمن جعل طفله صديقا لكتاب. إنه سيورث العلم والمعرفة والنجاح والأجر المديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي