الأزمة المالية العالمية والنظام المالي العالمي

نظراً لعمق الأزمة المالية الراهنة وانتشارها بدرجة غير مسبوقة، بدأ التفكير الجاد في أوساط علماء الاقتصاد في ضرورة استحداث نظام مالي جديد يواكب عصر العولمة ويتصدى لتحدياته الكبيرة. فقد سارت اقتصادات السوق على النهج الكينزي منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتى ثمانينياته، ولكن العالم هجرها واستبدلها بالنظرية الكلاسيكية التي تدعو لترك نظام السوق يعمل بصورة تلقائية ومن دون توجيه أو حتى إشراف من الحكومات لأن التدخل الحكومي يؤدي إلى سوء تخصيص الموارد, بينما نظام السوق يؤدي إلى تخصيصها تخصيصاً أمثل، على حد زعمهم.
وقد تمادى متخذو القرار في بعض الدول الرأسمالية وصندوق النقد الدولي في الاعتماد على النظرية الكلاسيكية وعلى نظام السوق وتحريره من كل الأنظمة والقيود الرسمية، خاصة بعد الإعلان عن فشل النظام الاشتراكي في عام 1988م وعودة كل الاقتصادات التي كانت تتبعه إلى اقتصاد السوق مرة أخرى؛ بل إن مبادئ منظمة التجارة العالمية بنيت على أساس النظرية الكلاسيكية القديمة التي طرحها آدم اسمث في مقولته "دعه يعمل - دعه يمر". فكانت النتيجة ازدياد الفقر في العالم واتساع الشقة بين الأغنياء والفقراء وبين دول الشمال ودول الجنوب من حيث الدخل، وارتفاع أسعار السلع الغذائية وتزايد البطالة, ثم جاءت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997م وتلتها أزمات مالية صغيرة أخرى أقل حدة منها, ثم توج فشل ذلك النظام باعتراف صندوق النقد الدولي بالأزمة المالية الحالية مما يستدعي البحث عن نظام مالي بديل للنظام المالي الحالي، ولا يزال الجدل محتدما حول إصلاح النظام الحالي أو العودة للكينيزية وما يكتنفها من التدخل الحكومي والأنظمة أم ماذا؟
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظرية الكلاسيكية مبنية على فرضية كفاءة الاقتصاد التنافسي، وأنه متى ما توافرت شروط الاقتصاد التنافسي فإن ذلك يؤدي إلى كفاءة الأسواق في الوصول إلى توزيع الموارد بطريقة كفؤة؛ غير أن غالبية الاقتصاديين لا يؤمنون بتوافر هذه الشروط للاقتصاد التنافسي فيما عدا أولئك الذين يصفهم جون سنقلتز (نوبل في الاقتصاد) بأنهم عملاء المخابرات المركزية في صندوق النقد الدولي؛ بل إنه لم يعد هنالك اقتصادي يعتد به يؤمن بطرح صندوق النقد الدولي وعملائه في ترك الأسواق تعمل وحدها بصرف النظر من عدم كفاءتها أو التشوهات الموجودة فيها، بل إن النظريات الاقتصادية الحديثة تثبت أن الحل الأمثل هو التدخل في الأسواق لإزالة تشوهاتها متى ما وجدت. ويبدو أن دعاة عدم التدخل في الأسواق الحرة من أنصاف الاقتصاديين قد ألجمتهم الإدارة الأمريكية بحجارة بتملكها "فاني ماي" و"فريدي ماك" وشركة AIG وغيرها؛ وتتأهب الآن للتدخل في سوق العقار بتحمل ديون المعسرين وهذا غير التدخل في الأسواق بضخ السيولة وتخفيض أسعار الفائدة ضاربة عرض الحائط بعدم التدخل الحكومي في الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي