من آداب الأضحية
تكثر في عالم اليوم دعاوى الحقوق، ومنها ما هو حق وصحيح، ومنها ما هو انعكاس لثقافات مجموعات من الناس قادتهم إليها تصوراتهم وظنونهم.
ولعل من المناسب أن نتوقف عند تلكم الشعيرة العظيمة والمنسك الجليل: الأضاحي وما يتصل بها من آداب وحقوق.
1- طرق ذبح الحيوان .. أيها الصحي الرحيم؟
لدى ذبح الحيوانات والطيور يؤكد الأطباء والمتخصصون على أهمية مراعاة الاشتراطات الصحية في الذبائح، بالنظر إلى أن تلك الذبائح ولحومها قد تكون ناقلة أو مسببة لأمراض متفاوتة في خطرها، بسبب طريقة ذبحها وطرق تخزينها .
وقد كان للرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام عناية عميقة بهذه المسألة، ومما تتعين ملاحظته أن التوجيه النبوي حيال تلك الذبائح لم يتضمن مراعاة شروط أداء شعيرة النسك فحسب، بل إنه مراعٍ لصحة الإنسان أيضاً، ومحقق للرفق والرحمة بالبهائم والحيوان .
وبرغم ما يصدر اليوم في بعض جهات العالم من اعتراض على الطريقة الإسلامية في ذبح الحيوانات بطريقة الذكاة الشرعية، وبرغم انتشار عدد من الطرق في الإجهاز على الحيوانات والطيور كالصعق والتدويخ stunning وغيرها، إلا أن الأبحاث الحديثة باتت تؤكد الفوائد الصحية للذكاة الشرعية، وخطأ مخالفتها .
2- آثار صحية طيبة للذكاة الشرعية دون غيرها:
بينت مجموعة من الأبحاث التي ظهرت أخيرا بالدلائل القاطعة، مخاطر وسلبيات طرق قتل الحيوانات ما عدا الذكاة الشرعية، وكان من أشهرها دراسة (ريبيكا سميث) ـ Rebecca Smith عضو "فيفا" Vegetarians International Voice for Animals viva، التي بينت من خلالها مخاطر طرق التدويخ المعتمدة بدقة وشمولية، وأوضحت أن غالبية الحيوانات فاقدة الوعي ترجع إلى وعيها أثناء نزفها قبل أن تموت.
كما أكد بحث آخر للدكتور Schultz من جامعة هانوفر في ألمانيا، أن الآلام التي رصدها الرسم الدماغي بسبب "التدويخ" لا يمكن مقارنتها بالذبح الشرعي الذي لم يظهر أي آلام للذبيحة.
وزاد أن القلب يتوقف بسرعة أكبر؛ وهو ما يؤدي إلى تسرب الدماء إلى اللحم.
3- الذكاة.. حقيقتها وحكمها وآدابها :
ثبت في الصحيحين عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم؛ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكل، ليس السن والظفر". أي: أسالَهُ وصَبَّه بكثرة، وهو مشَبَّهٌ بجري الماء في النهر.
والذَّكَاةُ قد عرفها الفقهاء : بأنها ذبح أو نحر الحيوان البري المأكول المقدور عليه بقطع حلقومه ومريئه، أو عقر الممتنع غير المقدور عليه منها.
والعقر: معناه الجرح.
والذبح: هو أن يقطع من الحيوان الحُلقوم والمريء وأحد الوَدْجَين.
والحُلقوم: هو مجرى النفس.
والمريء: مجرى الطعام.
والوَدْجَان: هما العِرْقَان المتقابلان المحيطان بالحلقوم.
قال ابن حجر: الأوداج جمع وَدَجْ، وهو العِرْقُ الذي في الأخدع، وهما عرقان متقابلان، قيل: ليس لكل بهيمة غير ودجين فقط، وهما محيطان بالحلقوم.
والنحر: هو قطع لَبَّة الحيوان، وهي وهدة بين أصل العنق والصدر بأن يطعن بمحدد، وهو التذكية المسنونة للإبل، لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويُقطع المريء والحُلقوم والودجان، والأقوى أن قطع ثلاثةٍ من الأربعة يُبيح، سواءٌ كان فيها الحُلقوم أو لم يكن، فإن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم، وأبلغ في إنهار الدم.
والتذكية واجبةٌ، لا يحِلُّ شيءٌ من الحيوان المقدور عليه بدونها، لأن ما لم يُذَكَّ يكون ميتةً، والميتة حرامٌ بالإجماع، إلا للمضطر، قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) الآية[المائدة:3].
أما الجراد والسمك وكل ما لا يعيش إلا في الماء فيحِلُّ بدون ذكاة، لِحِلِّ ميتته كما جاءت بذلك السنة النبوية.
والذبح عبادة لله، ومن شعائر التوحيد الخالص، كما قال سبحانه: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) [الحج:34].
فعلم بذلك خطأ كل من ذبح لغير الله، وأنه مُشْرِكٌ ظالم، حيث صرف عبادة الذبح إلى غير مستحقها، وهو الله رب العالمين .
ولأجل هذا اشترط العلماء في صحة الذكاة أن يقول الذابح عند ذبحه : باسم الله، لقول الله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام : 121] .
وللعلماء تفصيل في هذه المسألة، وفي التفريق بين الناسي والمتعمد .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لا ريب أنَّ ذكر اسم الله على الذبيحة يُطيِّبها، ويطرد الشيطان عن الذابح والمذبوح، فإذا أخلَّ به لابَسَ الشيطانُ الذابحَ والمذبوح، فأثَّر خبثاً في الحيوان، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح سمَّى، فدلَّت الآية على أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها، وإن كان الذابحُ مسلماً.
4- سِنٌّ معتبرة:
يشترط أن تكون مسنة، وهي التي تسمى بالثَّنِيَّة، وهذا تفصيلها:
الإبل: ويشترط أن تكون قد أكملت خمس سنين.
البقر: ويشترط أن تكون قد أكملت سنتين.
المعز: ويشترط أن تكون قد أكملت سنة واحدة.
جاء هذا في حديث جابر بن عبد الله عند مسلم.
الضأن: ويشترط فيه الجَذَع، وهو ما أكمل سنة، وقيل: ستة أشهر.
كما في حديث عُقبةُ بن عامر عند النسائي بسند جيد.
5- اشتراط سلامة الذبيحة وتأكيد الرفق بها:
في السنن عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأضاحي: "أربعٌ لا يجزئن: العوراء البَيِّنِ عَوَرُها، والمريضة البَيِّن مرضُها، والعرجاء البَيِّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقى". ويقاس على هذه العيوب ما في معناها.
وفي صحيح مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَه".
والمعنى: أحسنوا هيئة الذبح، وهيئة القتل، وهذا يدل على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يباح إزهاقها على أسهل الوجوه. وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة.
وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشِّفَار، وأن تُوارَى عن البهائم، وقال : " إذا ذَبح أحدُكم فليجهز " يعني فليسرع الذبح.
وأخرج الخلال والطبراني حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ واضعٍ رِجْلَهُ على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: " أفلا قبل هذا! تريد أن تميتها موتات!".
قال الإمام أحمد: يروى عن ابن أسباط أنه قال: إنَّ البهائم جُبِلَت على كل شيء، إلا أنها تعرف ربها، وتخاف الموت.
وقد ورد الأمر بقطع الأوداج عند الذبح، كما أخرجه أبو داود من حديث عكرمة عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن شَرِيطَةِ الشيطان، وهي التي تَذْبَحُ وتقطع الجِلد، ولا تفري الأوداج.
وروى عبد الرزاق عن الوضين بن عطاء قال: إنَّ جزاراً فتح باباً على شاة ليذبحها، فانفلتت منه، حتى جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فأتبعها فأخذ يسحبها برجلها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "اصبري لأمر الله، وأنتَ يا جزار فَسُقْها إلى الموت سوقاً رفيقاً".
وفي مسند الإمام أحمد عن معاوية ابن قرة عن أبيه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها؛ رحمك الله".
وقال عوف البكالي: إن رجلاً ذبح عجلاً له بين يدي أمه، فخبِّل، فبينما هو تحت شجرة فيها وَكْرٌ فيه فرخ، فوقع الفرخ إلى الأرض، فرحمه فأعاده في مكانه، فرد الله عليه قوته.
6- الرفق بالذبيحة يطيب لحمها:
توصلت أبحاث عدة ـ كما ينقل الأستاذ مدحت الأزهري ـ إلى أن توتر الحيوانات قبل ذبحها يؤدي إلى انخفاض ضغط دمها بدرجة ملحوظة؛ وهو ما يؤدي إلى تدفق دمائها عند شق القصبة اللهائية بصورة أكثر بطئاً.
فضلاً عن بقائها واعية وعلى قيد الحياة لفترة أطول. كما أن معدل نزفها حتى الموت يكون أسوأ كثيرًا.
ويؤدي توتر الحيوانات قبل ذبحها إلى الإضرار بالعديد من العمليات الكيماوية الحيوية في جسدها؛ فتتحول لحومها إلى لون أغمق، وتكون أكثر جفافًا وتيبسًا فيما يعرف باسم اللحم الداكن.
والمؤمن لا يبتغي بهذا الرفق سلامة لحم ذبيحته، ولكن يحمله على ذلك امتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالإحسان والرفق، يبتغي بذلك الثواب من الله.
نسأل الله القبول والتوفيق للجميع.