هل هيئة المهندسين مختزلة في موقع إلكتروني؟
تعيش هذه الأيام الهيئة السعودية للمهندسين فترة التجديد الانتخابي للدورة الثالثة لمجلس الإدارة مع نهاية الدورة الثانية في 18 من شهر آذار (مارس) لعام 2009، مع كل ما تحمله من إنجازات ومشاركات وتفاعلات خلال ست سنوات مضت من التأسيس كما ظهرت في مقتطفات من الأخبار والمقالات وبعض الروابط لنشاطاتها في الموقع الإلكتروني، وما يرِدُ على الأعضاء من رسائل جمة بريدية، قد تدل على حجم الإنجازات والتفاعلات وقد تدل في المقابل على التعظيم المصاحب للزخم الإعلامي عالي الاستثمار المشوش في العادة للقناعات.
ما يعنينا كمهندسين يكمن في مدى مصداقية وتوافقية الأهداف والطموحات المدرجة والموثقة في سياسات الهيئة مع تلك الإنجازات الخبرية المعلنة في الإعلام وفي الموقع المثقل بالكثير من المداخل والروابط..! وهل بالفعل ما تم ودار من أطروحات وقرارات ودراسات خلال الفترة السابقة قد خدمت الهندسة بكامل تخصصاتها والمهندسين العاملين في المملكة وأصبحت مسوغا جذابا للمهندسين للتفاعل والانضمام في المرحلة القادمة؟ أم أنها ستسير في ركب التكوينات الأخرى الانتخابية كالمجالس البلدية واللجان العمالية للمنشآت الخاصة، وما تخفيه تلك التكوينات من عزوف تفاعلي قادم وإحباط جماهيري نادم نتيجة لمعطياتها ولمخرجاتها ومخرجات مرشحيها البعيدة عن الطرح الدعائي التنظيري إبان تأسيسها!
إلا أن خروج الصحوة من البعض في الوقت الضائع لترميم ما خلفه السبات العميق، وبروز بعض الاتهامات الإعلامية من بعض الأعضاء لرؤساء المجالس أو اللجان بعدم الاهتمام والتفعيل، هو دليل على الخوف من المستقبل من كيل التهم للفشل ومحاولة الهروب من المسؤولية، والتي لم تخل الهيئة من هكذا صحوة متأخرة من أجل كسب أصوات للانتخابات القادمة كانت منسية وأصبحت الآن معنية بالاهتمام، تمحورت في زيارات خاصة دعائية وتأسيس للجان تنسيقية جديدة نهاية عام 2008 في أقوى منطقة تعج بالمهندسين ألا وهي الجبيل الصناعية، والتي بات مهندسوها يستشعرون العزلة من قبل الهيئة لهم لفترة دورتين، مما أدى إلى عدم تفاعلهم واندماجهم معها، والشاهد أنه لا وجود يذكر لمرشحين في مجلس الإدارة المقبلة.
فالحديث عن التكوينات الحديثة وخاصة الانتخابية منها، قد يتخللها النقد الهادف وقد تُجابَهُ بالكثير من التوجهات الفردية الناقمة الاستفزازية والتقطيع الجارح الذي قد يتعدى المهنية الحوارية، بل من الطبيعي أن يتمحور الانتقاد النفعي وإن كان يميل إلى القسوة النابضة الأبوية الإصلاحية بما يخدم الأهداف والرؤى التي تنبني من أجلها التكوينات، ليكون مفرزة للجوانب الإيجابية عن السلبية المتوقعة، سبيلا للتصحيح وسدا للنواقص من أجل التطوير المستمر الذي تنهجه المؤسسات الناجحة إداريا في العالم.
ورجوعا بالحديث إلى الهيئة الكريمة للمهندسين وما يعول عليها من دعم ملموس وتغيير محسوس، مما يضعها في محك ونفق طويل ينالها بالاتهامات الكثيرة ومرمى حجر لمن يعتقد خدمتها لفئات أو تكتلات كنتيجة قائمة في أي تنظيم انتخابي في العالم، إنما النظر في الحد وتقليص واحتواء النوايا المبطنة بالاستفادة الخاصة والظاهرة بالآمال الواعدة بالاستفادة العامة التي تحوم حولها التهم، يكمن في إعادة النظر في الأنظمة التشريعية التي تخدم أكبر نطاق وشرائح مرتبطة بالهيئة، معززة بالمراقبة الشديدة والتصويت والاستفتاءات العامة لجميع الأعضاء خارج المجلس خاصة للقوانين والقرارات المصيرية عدا الأمور الإدارية التنظيمية.
فلو ركزنا انتباهنا على الشُعَب الهندسية وتخصصاتها المتنوعة فيما يقابلها من تخصصات أعضاء مجلس الإدارة الحالية للدورة الثانية، لرأينا الأغلبية الساحقة التي تفوق 80 في المائة، تتصدرها المدنية والعمارة والمشاريع وهم في نفس الإطار والهدف تقريبا، بما يعطي عدم توازن تصويتي داخلي ناحية خدمة بقية التخصصات الأخرى، والذي بدوره قد يخدم التكتلات في استصدار قرارات تصب في صالح البعض وتجهض البعض الآخر، والدليل الملاحظ خروج قرارات كثيرة في المكاتب الهندسية والمشاريع دون الأخرى ومنها ما ورد وأثير عن تصنيف المكاتب الهندسية الكبرى عن الصغرى في الدخول في المناقصات الكبرى وكيفية تقييم الصغرى والكبرى، وهو ما يعارض الصبغة الاستشارية للهيئة بالتدخل في نطاق التصنيف بعنف والذي يوجب على المؤسسات الحكومية والخاصة تعيينه وتحديده مع الهيئة وفقا لمرئيات وخبرات واعتمادات عالمية مطلوبة لكل مؤسسة، مع فقدان الاستفتاءات والتصويت لقرارات كهذه، بما قد تغير من مسارات مكاتب وتحط من تطويرها نتيجة للصعوبات والتعقيدات التي قد تواجهها جراء القوانين الوضعية التي صوت عليها المجلس وكأنها قرارات العولمة والتجارة الحرة التي تنقض على الصغير دون التفكير في رفع مكانته والإسهام في تطويره.
فالأجدى أن يعاد النظر في انتخاب أعضاء المجلس ووضع تصنيفات تخصصية بما يتوافق والشعب الهندسية، كوجود إجباري لعضو لكل شعبة أو أكثر وفقا لمرئيات ومتطلبات معينة، من أجل وضع حد للعزوف الفاقد لمصداقية حقيقية تحفز المهندسين للمشاركة والتفاعل، ولكي تنجح الهيئة في تكوين مجلس حديث ذو مزج جمالي وعملي مهتم بجميع التخصصات التي افتقدتها الدورتان الماضيتان، مع وضع الشعب في موقع الذراع العلمي والمرجعي والاستشاري والتأهيلي لاعتماد المهندسين وتوثيق مهنيتهم، على أن تواتر الجمعية العمومية في عقدها لأكثر من مرة في السنة مطلوب في الحقبة القادمة، مع تعزيز صلاحيتها كما هو في التنظيمات الانتخابية العالمية من حيث اليد الطولى في القرارات المرسلة للمعاينة والتنفيذ لدى المجلس، والذي - للأسف - عطل برامج التأهيل المهني لثلاث سنوات مضت من الشد والجذب بناء على أسس غير متوازنة ذكرنا منها في باديء المقال، مع تأخيره للمملكة أمام الآخرين في بسط نظام هندسي موحد قوي يرقى بالمملكة التي تعج وتقارع باستثماراتها وامتدادها الصناعي الإنشائي النفطي والبتروكيماوي وغيره العالم، مع وجود ثلة لا يستهان بها من الخبرات الهندسية السعودية الطويلة والدرجات العلمية العالية تفوق من سبقوهم في جمعيات هندسية في الدول الأخرى.