الاقتصاد السعودي .. هل يتجاوز تحديات الأزمة العالمية بسلام؟ (1 من 2)

لئن طالت الأزمة المالية العالمية وما تبعها من كساد اقتصادي جميع دول العالم دون استثناء، فإنها بالنسبة للسعودية تعني الكثير والكثير جدا، فنحن في مرحلة حاسمة في المسار التنموي غلب عليها كثير من الاقتناع أنه لا بديل من تطوير جميع القطاعات الاقتصادية، ولا بديل من إيجاد التنويع الحقيقي للاقتصاد السعودي الذي يقلل من الاعتماد المطلق على ما نصدره للعالم من خامات البترول, وساعدنا على ذلك تدفق العائدات البترولية وضخامتها نتيجة الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها أسعار البترول العالمية وزيادة إنتاجها البترولي إلى مستويات اقتربت من أعلى مستوى وصلت إليه في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن تشهد هذه العائدات تراجعا كبيرا، نتيجة التدهور الذي لحق بأسعار البترول, وأيضا انخفاض معدلات إنتاجنا منه. ولم يكن مستغربا نتيجة لكل ذلك بدء تنفيذ عديد من المشاريع العملاقة في مختلف القطاعات، مع تركيزنا على تلك القطاعات التي تعمل على زيادة القيمة المضافة إلى مصادرنا المختلفة الطبيعية منها أو البشرية.
إن تجاوز اقتصادنا السعودي آثار الأزمة التي يعيشها الاقتصاد العالمي, لن يكون بالتراخي والتعامل معها وكأنها أزمة عابرة ذات تأثير محدود، فهي قد أصابت عديدا من قطاعاتنا الاقتصادية بنوع من الشلل المؤقت، وبعضنا لا يزال يعاني صدمة أنها قد وصلت إلى أبوابنا، وكنا نعتقد ونعلن أننا لن نتأثر بها أو أن تأثيراتها علينا طفيفة، وهو ما زاد من وقع الصدمة.
وإن كان للتراخي الذي كنا نعايشه في الفترة الماضية ما يبرره في ظل الاعتقاد الخاطئ الذي كان يسود جميع الأوساط أن الأسعار المرتفعة جدا ستظل تحكم أسواق البترول العالمي عقودا مقبلة، وبالتالي فلا خوف علينا إن أجلنا تبني الخطوات الضرورية لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي ليقوم على المعرفة كأساس لتنافسنا مع بقية الدول؛ فإن الأزمة العالمية وما قد تحمله من مفاجآت اقتصادية مقبلة تحتم علينا كسعوديين بجميع فئاتنا من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني وأفراد، أن نراجع المسار الاقتصادي الذي نحن عليه, في محاولة للتحسين من كفاءته ومناعته ليكون أكثر قدرة على الإبحار في خضم الأمواج العالمية المتلاطمة التي يتسم بها الاقتصاد العالمي اليوم.
ولعل ما يعطينا نوعا من الثقة بقدرتنا على تجاوز آثار الأزمة العالمية بأقل التكاليف، هو سيل التقارير الاقتصادية التي صدرت عن المؤسسات الدولية, مثل: صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, والمؤسسات المتخصصة، التي تعطي جميعها السعودية وضعا أفضل من عديد من الدول في قدرتها على التعامل مع الأزمة، مرجعة ذلك لعديد من الأسباب, منها:
أولا: حجم الاحتياطيات النقدية التي تمتلكها الدولة والمتراكمة عبر السنوات القليلة الماضية، هذه الاحتياطيات الضخمة، التي تقدر بنحو 600 مليار دولار، لا شك أنها تمثل "صمام أمان" يعطي الدولة مرونة أفضل في التعامل مع أية مفاجآت مقبلة بأسرع وقت. وبغض النظر عن طبيعة استثمار هذه الاحتياطيات النقدية في الفترة الماضية، وما إذا كانت البديل الأفضل، إلا أنها وبكل تأكيد تمتعت بكونها استثمارا قليل المخاطر، أسهم في عدم المساس بها إلا بشكل طفيف. ومن البديهي أن يكون هنالك إجماع دولي على أن هذه الاحتياطيات الضخمة هي المفتاح الأساس الذي يمنح المملكة قدرا كبيرا من المقاومة Resilience أمام تيار الاضطرابات المالية العالمية.
ثانيا: إن عديدا من المشاريع الاقتصادية العملاقة في السعودية قد تجاوزت مرحلة التأسيس ووصلت إلى مراحل متقدمة من التنفيذ لا عودة فيها، وبالتالي سيتم المضي في استكمالها حتى لو كان ذلك بوتيرة بطيئة، مستفيدة من أمرين:
أ ـ الانخفاض الذي طرأ على أسعار السلع الناشئ بدرجة رئيسة عن انخفاض الطلب العالمي عليها نتيجة الكساد الذي أصاب الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يسهم في تخفيض تكلفة استكمال إنشاء هذه المشاريع، ويعوض نسبة من الانخفاض الذي طرأ على أسعار منتجات بعض هذه المشاريع المخصصة أصلاً للتصدير.
ب ـ إن جزءا كبيرا من إنتاج هذه المشاريع موجه إلى السوق المحلية، مثل: مشاريع الغاز، وتحلية المياه والكهرباء، وغيرهما.
ثالثا: إن الإصلاحات التي قامت بها السعودية خلال الفترة الماضية, جعلتها بيئة اقتصادية أفضل ووفرت لها مناخا استثماريا جيدا، وإن كان لا يزال أمامها كثير لتحسين كفاءة الاقتصاد السعودي، وبالذات فيما يتعلق بالأجهزة الحكومية وتعاملها مع متطلبات مشاريع التنمية الاقتصادية في ظل تفاقم مساوئ البيروقراطية كصفة ملازمة لأدائها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي