نظام التأمينات يعطل خبرات المتقاعدين
تساؤل يطرحه كل من تقاعد مبكرا ... لماذا يتوقف صرف معاش التقاعد عن كل متقاعد يعود للعمل وعمره أقل من 60 عاما إذا كان العمل الذي عاد له يخضع لنظام التأمينات؟ لماذا لا يعطى الخيار بين الإعفاء من الاشتراك عن مدة العمل الجديدة أو استئناف الاشتراك في النظام وبالتالي لا يتم إيقاف صرف المعاش إذا اختار صاحب المعاش عدم الاشتراك كما هو معمول فيه للفئة العمرية من 60 إلى 65 عاما, فمعاشات التقاعد من المفترض أن تكون ممولة من عوائد استثمار الاشتراكات وبالتالي لا أرى ما يبرر وجود شروط عمرية لاستمرار صرف المعاش على من لا يرغب استئناف الاشتراك، لقد أصبح المتقاعد مبكرا بفعل هذا النظام مخيرا بين العودة للعمل براتب أقل أو مساو للمعاش التقاعدي أو عدم العودة مجددا للعمل لأن العائد من وراء ذلك غير مجد أو ربما يكون مضرا للمعاش التقاعدي في المستقبل.
إن وجود هذا الشرط في نظام التقاعد المبكر الحالي يحد من استفادة المؤسسات والشركات من خبرات المتقاعدين من ذوي الأعمار التي تقل عن 60 عاما. فكثير ممن تقاعدوا مبكرا من شركات كبيرة كـ "أرامكو" و"سابك" وشركة الكهرباء يتمتعون بخبرات كبيرة ومتنوعة صرفت عليها تلك الشركات مبالغ طائلة في عملية التدريب والتأهيل وليس من الحكمة أن نضع في وجه استثمار هذه الخبرات أي عوائق نظامية تحد أو تمنع القطاع الخاص من الاستفادة منها, فكثير من هؤلاء المتقاعدين كانوا يتقاضون أجورا تعد عالية بمقاييس عدد كبير من الشركات والمؤسسات الصغيرة بل ربما يكون المعاش التقاعدي هو نفسه كبيرا مقارنة بمستوى الأجور لدى هذه المؤسسات, فإذا رغبت مؤسسة أو شركة ما الاستفادة من خبرات البعض منهم لن يتمكنوا من ذلك إذا لم يدفعوا أجورا مضاعفة تغريهم بالاستغناء عن المعاش التقاعدي والاكتفاء بالأجر لأن نظام التأمينات لا يتيح للمتقاعد المبكر الجمع بين الاثنين, وفي غالب الحالات يتعذر على الشركات أو المؤسسات الصغيرة دفع هذه الأجور وبالتالي تتعطل وتهدر هذه القدرات الوطنية وتترك من غير إعادة تشغيل وبدلا من استغلال واستثمار الخبرات الوطنية في تنمية وتطوير المؤسسات الصغيرة يتحول أصحاب هذه المؤسسات للبحث عن الخيار الأقل تكلفة عن طريق استقدام الخبرات الأجنبية, فيسهم نظام التأمينات الاجتماعية بطريقة غير مباشرة في زيادة الطلب على استقدام العمالة التي لا توجد حاجة إليها, بينما لو سمح النظام الجمع بين معاش التقاعد المبكر والأجر المناسب الذي تستطيع المؤسسات الصغيرة تحمله لوجدنا إقبالا من المؤسسات على الاستفادة من خبرات المتقاعدين وبالتالي تصرف النظر عن استقدام جزء من العمالة التي يتوافر مثيل لها من العمالة الوطنية.
إن المنطق يفرض على أي مؤسسة حكومية أن تعيد النظر في أي إجراء أو شرط يثبت من خلال التطبيق أنه يتعارض مع المصلحة العامة للوطن والمواطنين وبالتالي أرى أن التأمينات الاجتماعية بحاجة إلى مراجعة الشروط التي وضعتها كضوابط لصرف معاشات التقاعد المبكر وإعادة النظر فيها بحيث لا تتسبب في تعطيل الاستفادة من الكفاءات والخبرات الوطنية فتدفع المؤسسات لاستقدام خبرات أجنبية يتوافر مثيل لها محليا فأي نظام لابد من تحديثه بين الحين والآخر والتأمينات الاجتماعية عدلت بعض من مواد النظام من قبل، وأرجو أن تجد فيما ذكر ما يقنعها بوجود ما يستوجب التعديل.