كيف تخدم الاستثمارات الخليجية المبادرة الأوروبية المتوسطية؟
في يوم 20 فبراير 2009 شاركت في فعاليات الملتقى الثالث للاستثمار في المتوسط الذي نظمه كل من مجموعة الاقتصاد والأعمال واتحاد أعمال المتوسط ، وهذه هى المرة الأولى التي يعقد فيها الملتقى في بلد عربي هو لبنان. والهدف من ذلك الملتقى هو حشد الجهود وتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار بالمشاريع التي تربط الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط وذلك دعماً للمبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي ساركوزي والهادفة إلى إيجاد رابطة متوسطية أوروبية. وقد شارك في هذا المؤتمر عدد من المسؤولين ورجال الأعمال العرب والأوروبيين ومندوب عن الرئيس الفرنسي إلى جانب مندوبين عن المفوضية الأوروبية وبنك الاستثمار الأوروبي.
ومن أهم القضايا التي كانت مطروحة للبحث تشجيع الاستثمارات الخليجية للمساعدة في إنجاح هذا المشروع. وقد تحدث الأستاذ رياض سلامة محافظ بنك لبنان ( البنك المركزي) الذي اقترح إنشاء مصرف إنمائي بهدف تمويل مشاريع الربط بين الضفتين وتشجيع الترابط التكاملي بين المنشآت الصناعية في المنطقتين.
وقد شكرت المنظمين على دعوتهم لي رغم أنني لا أنتمي إلى دولة عضو في هذا التجمع ، وأشرت إلى أنه إذا كان الهدف من المبادرة هو توفير المزيد من التمويل الأوروبي لتنمية الدول العربية فإن هذه الخطوة ينبغي أن تكون محل ترحيب. فأوروبا هى أقرب قوة اقتصادية لمنطقتنا، وتجمعنا معها روابط تاريخية وثقافية واقتصادية قوية. كما أن دول مجلس التعاون تتبنى النهج الجماعي في علاقاتها مثلها في ذلك مثل الاتحاد الأوروبي ، وتتبع سياسة تجارية منفتحة وتشجع الاستثمار الأجنبي.
كما أشرت إلى أنه باستثناء عدد من اتفاقيات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، فإن الجهود التي بذلت خلال الثلاثين سنة الماضية لإيجاد ترتيبات اقتصادية جماعية بين الدول العربية والاتحاد الأوروبي قد فشلت. ومن الأمثلة التي كنت أحد شهودها الحوار العربي الأوروبي والمفاوضات الطويلة بين دول مجلس التعاون والمفوضية الأوروبية. وفي رأيي أن هذا الفشل يعود لسببين: الأول: هو الأنانية الأوروبية، والثاني : عدم اتفاق العرب على موقف واحد.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون، فإن أوروبا هي الشريك التجاري الأول إلا أن الميزان التجاري لدول المجلس هو لصالح أوروبا منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي. ولا يبدو أن هناك حلول وضعت حتى الآن لمعالجة هذا العجز. كما أن الاستثمارات الأوروبية في دول المجلس اقتصرت بشكل رئيسي على قطاعين هما القطاع المالي وقطاع الطاقة ومشتقاتها. ومع ذلك فإن هذه الاستثمارات التي تصل إلى 1% من مجموع الاستثمارات الأوروبية في الخارج، فهي أقل بكثير من الاستثمارات الأوروبية في أمريكا اللاتينية، وجنوب آسيا، ومنظمة الدول المستقلة – الاتحاد السوفيتي السابق – كلٍ على حدة.
إن الوقت قد حان لزيادة الاستثمارات الأوروبية لدينا. فدول المجلس هي من المناطق القليلة في العالم حالياً التي تسمح أوضاعها الاقتصادية بتوفير أرضية جاذبة لرأس المال الأجنبي. أما بالنسبة للاستثمارات الخارجية فيجب أن نفرق بين نوعين من هذه الاستثمارات: الأول: استثمارات القطاع الخاص الخليجي التي لا تتدخل فيها حكومات دول المجلس لا من قريب ولا من بعيد، وذلك خلافاً للاستثمارات الخاصة الأوروبية التي تتبع عادةً التوجهات الحكومية لدولها. والثاني: وهو الاستثمارات الحكومية ومنها ما يسمى بـ"صناديق استثمار الثروات السيادية" وهذه تعمل وفق المبادئ التي تم الاتفاق عليها أخيراً في إطار صندوق النقد الدولي .
وإذا حصرنا الحديث حول الترتيبات الثلاثية الهادفة إلى استخدام الاستثمارات الخليجية لتوطين التكنولوجيا الأوروبية في بلد أو منطقة ثالثة – وهذا ما يبدو أنه محل اهتمام الملتقى – فإن القطاع الخاص حر فيما يتخذه من قرار بهذا الشأن ، والمؤكد أنه لن يدخل في استثمار من هذا النوع إلا إذا كانت المبررات الاقتصادية والربحية تفوق ما يحصل عليه من مناطق أخرى أو من استثمار آخر.
أما بالنسبة للاستثمارات الحكومية فقد تجنبت تاريخياً هذا النوع من الاستثمار. وحتى يمكن اقناع الحكومات على تغيير رأيها يجب أن يكون المشروع المطروح من النوع الذي يربط دول مجلس التعاون بأوروبا عن طريق طرف ثالث مثل السكك الحديدية وأنابيب البترول والغاز والماء وخطوط الاتصالات والربط الكهربائي.....إلخ.
وبالنظر لما يمر به العالم حالياً من ضغوط لإنتاج المواد الغذائية الرئيسية، فإنه قد يمكن إقناع دول الخليج بالاستثمار في إحدى الدول الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط باستخدام التقنية الأوروبية، وذلك بهدف توفير الغذاء المناسب لمواطني دول الخليج، إلا أن السياسة الزراعية العامة Common Agricultural Policy” " التي يتبناها الاتحاد الأوروبي حالياً قد تقف حائلاً دون تحقيق ذلك.