المبادرة.. صفة للمتميزين
يعد مصطلح المبادرة عند المختصين في إدارة الموارد البشرية من أهم الصفات الإيجابية للأداء وبالتالي يحرص أي نظام لتقويم أداء العمل على تحديد مدى ما تشكله هذه الصفة من حيز في سلوك وأداء العامل. فالمبادرة لغة تعني المسارعة والمسابقة كما أنها تعني اصطلاحا قيام العامل من تلقاء نفسه ودون طلب من رئيسه المباشر بالتصدي لحل المشكلات أو ابتكار الطرق الجديدة لتبسيط الإجراءات وزيادة مستوى الإنتاجية. عند التأمل والتفكر في مدلول هذه الصفة من واقع هذا التعريف نستطيع أن نستنتج كيف سيكون حال الموظف أو العامل الذي تكون روح المبادرة صفة ملازمة لشخصيته فهو شخص لا يهدأ أو يستكين إلا عندما يرى الأمور التي يعمل عليها تسير بانسيابية وتخدم المستفيد بطريقة مرضية، آخذا على عاتقه مسؤولية النتائج التي ستفضي إليها المبادرة التي قام بها، إذا هو يتصف بالإقدام ولا يتردد متى اقتنع بأهمية العمل الذي ينوي القيام به مستعينا في ذلك بخبرته مهما كانت طبيعة العمل أو حجمه فليست المبادرة حكرا على الأعمال المعقدة.
الكثير من الموظفين في بداية حياتهم العملية لا يقدرون أهمية وفهم ماذا يعنيه تحديدا مصطلح المبادرة عندما يرونه ضمن عناصر نموذج تقويم الأداء، فقليل منهم من يحاول أن يتعلم كيف ومتى يكون مبادرا، فهو يكتفي بإبداء علامات الاستفهام والتعجب لعدم حصوله على الوظيفة أو الترقية التي يتطلع إليها ولما ذهبت لغيره دون أن يعمل على اكتشاف السر الحقيقي وراء ذلك، لو حاولنا تفسير هذه الحالة لوجدنا أن السبب في الغالب يعود لصفة المبادرة التي تتمتع بها شخصية العامل المتميز فهو إنسان مؤثر بأفكاره وابتكاراته ومع مرور الزمن يتصدر اسمه قائمة العاملين إلى أن يصبح مسؤولا كبيرا في الدائرة التي يعمل بها. هناك أمثلة كثيرة من الموظفين أسهمت صفة روح المبادرة في نقلهم بشكل سريع من موظفين عاديين يؤدون واجباتهم العملية بطريقة تقليدية مؤثرين راحة البال والسلامة إلى موظفين يعتمد ويعول عليهم الكثير في المستقبل. أعرف شخصا أصبح رئيس الشركة التي كان يعمل فيها، لا لأنه يمتلك تأهيلا أو ذكاء يميزه عن بقية الموظفين، بل لأنه كان يشعر بالألم عندما يرى أي إخفاق من جانب الشركة تجاه عملائها فيبادر بالبحث والمحاولة لوقت متأخر بعد نهاية ساعات العمل لابتكار طريقة تصحح الوضع، لقد جعلته المبادرة حاضرا في معظم الاجتماعات لنقاش أي مشكلة تواجه الشركة لأنه كان يبحث فيها قبل أن تطفو على السطح فأصبح يلفت أنظار إدارة الشركة مما جعلها تكلفه تدريجيا بمسؤوليات أكبر إلى أن صار المسؤول الأول فيها. موظف آخر كان يعمل في أحد البنوك في وظيفة صغيرة لكنه بعد فترة وجيزة من الزمن أصبح له ثقل كبير في الفرع الذي يعمل فيه رغم حجم وظيفته الصغير فقط لأنه كان على الدوام حاضر الذهن لا يقبل أن يرى عميلا مستاء من الخدمة التي يقدمها البنك بسبب قوانين أو إجراءات البنك الاحترازية التي قد يطبقها الكثير من قرنائه في الوظيفة بطريقة حرفية دون اهتمام لما تتسبب فيه من استياء للعميل، لقد كان شديد الحرص على منع أي ضرر يؤثر سلبا في درجة رضا عملائه وبالذات الكبار منهم فكان يتجاوز عن بعض الأنظمة أو الشروط إذا كان على معرفة جيدة بالعميل أو يقوم بالاتصال به للتأكد من سلامة المستندات المالية لو وجد عليها بعض الملاحظات التي قد تمنع استكمالها ويأخذ على عاتقه مسؤولية تجاوز إجراءات العمل حتى أصبح بعض عملاء ذلك الفرع لا يرغبون في إجراء عملياتهم المالية إلا من خلاله للحد الذي بلغ بأحدهم التصريح لمدير الفرع أنه على استعداد لتحويل أمواله لأي فرع ينتقل إليه هذا الموظف تعبيرا عن ارتياحه وإعجابه بأسلوب المعاملة التي يحصل عليها. معظم المبادرات لا يستطيع الرئيس المباشر أن يحدد للموظف كيف عليه أن يتعامل معها لأن في بعضها مخاطرة عندما يساء تقديرها لذا هي تخضع لفطنة الموظف نفسه حيث يتم التعامل مع كل حالة حسب ظروفها.