دبلوم ضيوف الرحمن
لا ينكر منصف الجهود العظيمة التي بذلتها وتبذلها مملكة الإنسانية السعودية، في خدمة حجاج بيت الله الحرام، الذين يفدون على مدار العام لتأدية مناسك الحج والعمرة، فعلى مر السنين لم تدخر المملكة وسعاً في تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن من خدمات جليلة ورعاية فائقة لضيوف بيت الله الحرام من المعتمرين والزوار، وبحمد الله أن من يشيد بهذه الخدمات هم الحجاج والمعتمرون أنفسهم، ففي نهاية كل موسم حج أو عمرة نقرأ ونسمع عبر وسائل الإعلام المختلفة عن مشاعر الثناء والشكر والتقدير تجاه مملكتنا لما شاهدوه من مرافق وخدمات ومبان وتسهيلات ومشاريع عملاقة، وأعداد كبيرة من القوى البشرية المستنفرة والساهرة ليل نهار ليؤدي هؤلاء الزوار مناسكهم بكل يسر وسهولة. والتساؤل الذي أطرحه على القارئ الكريم هل يجب علينا أن نحافظ على هذا المستوى من الرضا من قبل الحجاج والمعتمرين؟ أم أن علينا أن نبحث عن الأساليب الإدارية الحديثة الرامية إلى زيادة رضاهم بتقديم الخدمات المتميزة التي تتفوق على توقعاتهم وتطلعاتهم؟
وإذا فضل القارئ الكريم الخيار الثاني فذلك يعني أننا في حاجة إلى تطبيق مبادئ إدارة الجودة فيما يخص الخدمات وفي أساليب التعامل مع الحجاج والمعتمرين، حيث تشتمل إدارة الجودة على عدد من المبادئ والمفاهيم منها: أن الجودة تعني خلق وتطوير قاعدة من القيم والمعتقدات التي تجعل كل موظف يعلم أن الجودة هي الهدف الأساسي الذي يسعى لأجله كل موظف في المنشأة، ولذلك عليه أن يقوم بأداء العمل الصحيح بشكل صحيح من المرة الأولى، وأن الجودة هي التميز في تقديم الخدمات المطلوبة بفاعلية، حيث تكون خالية من الأخطاء والعيوب والشوائب وبأقل تكلفة, وترقى لمستوى توقعات ورغبات العميل، وتحقق رضاه التام حاضرا ومستقبلا, كما تعتمد على التحسين والتطوير المستمر, وتلتزم بمتطلبات ومعايير الأداء.
ومن هذا المنطلق يعد الحجاج والمعتمرون العميل رقم (1) بالنسبة لبلادنا، ويمكننا أن نسميهم عملاء مميزين وغير عاديين؟ ولعل من أولى الأولويات قبل الاستمرار المعروف في تطوير الخدمات والمرافق أن نبني قاعدة من القيم والمعتقدات, ونجود الأساليب التي يتعامل بها البعض منا مع الحجاج والمعتمرين، فلا يخفى على أي فرد منا ما يتعرض لها الحجاج من محاولة الغش ومضاعفة الأسعار في الخدمات والمواصلات والمنتجات من قبل البعض من ذوي النفوس الضعيفة، وكثيراً ما نسمع عن الحجاج والمعتمرين الذين يدفعون مبالغ خيالية للحصول على السكن المريح والطعام النظيف بجوار الحرمين الشريفين, وينتهي بهم الحال مقيمين في ساحات الحرمين، وكم من مرة شاهدت بنفسي موظفات الحرمين الشريفين وهن يعاملن المصليات بأساليب غير مقبولة يغلب عليها سوء الظن خاصة عند صدور بعض المخالفات والسلوكيات الخاطئة عن غير قصد من بعض الحاجات والمعتمرات، هذه المواقف وغيرها مما لا يتسع المجال لذكرها تعكس في مجملها انخفاض مستوى الوعي بأهمية هؤلاء العملاء المميزين وعدم الدراية أن التصرفات الفردية الخاطئة التي تصدر من الفرد منا تشوه الصورة المجتمعية التي ينقلها الحاج أو المعتمر إلى أهله ووطنه، وقد يستغلها البعض للتقليل من قيمة الجهود الكبيرة التي تبذلها بلادنا في هذا المجال.
لا ننكر الأخلاق النبيلة التي تتحلى بها نسبة كبيرة من الفئات الوظيفية في عدد من الأجهزة الحكومية والخاصة والخيرية التي تتعامل مع الحجاج والمعتمرين بشكل مباشر، ولكن الشرف الذي منحنا الله إياه بخدمة ضيوفه، يتطلب منا العمل على تطوير أساليب التعامل، ويكون ذلك من خلال برنامج تدريبي أقترح أن يسمى "دبلوم ضيوف الرحمن"، ومدته ثمانية أسابيع على الأقل، ويهدف بشكل عام إلى زيادة الوعي بهذا الشرف الرباني وتنمية المهارات وتطوير الاتجاهات الإيجابية نحو مفهوم خدمة ضيوف الرحمن، عبر دراسة عدد من المواد التدريبية مثل: أخلاقيات المسلم، والثقافة الإسلامية، والجغرافية الاجتماعية للمجتمعات المسلمة، ومهارات الاتصال الفعال، وأساليب التوجيه والإرشاد، وتلتحق به الفئات الوظيفية ذات العلاقة بالحجاج والمعتمرين، مثل العاملين في الفنادق في المشاعر المقدسة والموانئ البحرية والجوية والمنافذ البرية، وحملات الحج والعمرة، ومؤسسات الطوافة وغيرها، وأقترح أن ينفذ البرنامج من قبل مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر في الجامعات الحكومية والأهلية المحلية في مناطق المملكة كافة، لكون البرنامج يأتي محققاً لرسالتها في تنمية وخدمة المجتمع ولتوافر الكوادر العلمية المؤهلة لديها.
خاتمة:
إن خدمة ضيوف الرحمن شرف عظيم، والعائد على الاستثمار في البرامج التدريبية التي تهدف إلى تطوير مستوى الخدمة لتتفوق على توقعات وتطلعات ضيوف الرحمن لا يمكن أن يقدر بثمن مقارنة بعظم المهمة ونبلها، فالعالم من حولنا يغبطنا أو يحسدنا عليها, فاللهم اكفنا شر الحاسدين ووفقنا لخدمة ضيوفه على أكمل وجه.