"سايبور" ومعدلات الفائدة المرجعية الدولية

توقف العمل بمعدل الفائدة بين البنوك في لندن (لايبور) منذ منتصف 2023 نتيجة فضيحة تلاعب البنوك به في وقت سابق، ما أدى إلى فقدان الثقة في مصداقيته وتوقف الاعتماد عليه كسعر رسمي لمعدلات الفائدة، ولكن السبب الآخر الأكثر أهمية أن طريقة احتسابه تعتمد على التقديرات اليومية للبنوك المشاركة في تحديد سعره، وليس بناءً على تكاليف الاقتراض الحقيقية كما ينبغي، لذا ظهرت هناك بدائل جديدة أبرزها "سوفر" في أمريكا و"سونيا" في المملكة المتحدة البريطانية و"إس تي آر" في أوروبا. أما في السعودية فلا يزال العمل بمؤشر سايبور مستمراً، وهو شبيه جداً بمعدل لايبور الذي تم إيقاف العمل به، فهل من إشكالية في الاستمرار بالتعامل بسايبور في السعودية؟ وما فوائد العمل بمؤشر سوفر في أمريكا، وهل يمكن استعماله محلياً بدلاً عن سايبور؟

معدل الفائدة في السعودية يتماشى مع معدل الفائدة الأمريكية نتيجة ارتباط العملة، ولكنه ليس مطابقاً له تماما، فبينما يستهدف الفيدرالي الأمريكي حالياً 4.5% كحد أعلى لتكلفة الفائدة بين البنوك الأمريكية، يستهدف البنك المركزي السعودي 5%، ولذا فإن عند تحديد معدل سايبور بين البنوك يؤخذ هذا السعر المرجعي السعودي في الحسبان، لأنه يعد تكلفة الاقتراض الأعلى للبنوك، ومع ذلك لا تزال آلية احتساب سعر سايبور تعمل بالطريقة التقليدية مع بعض التحسينات التي فرضها البنك المركزي على البنوك على عدة مراحل بدءا من 2018 حين استشعر البنك أهمية مراقبة آلية تحديد سعر سايبور تفادياً للوقوع في إشكالية لايبور، وما نتج عنها من تجاوزات. فالطريقة الحالية هي أن تقوم البنوك بتقديم عروضها يومياً لإدارة سايبور قبل الساعة 12 ظهراً ويتم حذف أعلى سعرين وأقل سعرين للحصول على متوسط سعر عادل يتم نشره مباشرة لذلك اليوم.

أهمية سايبور، وسبب عدم الاعتماد على الأسعار المرجعية الخارجية، تكمن في أنه سعر مرجعي خاص بالسيولة المحلية بالريال السعودي، ولذا يستخدم في تحديد أسعار الفائدة المتغيرة للقروض العقارية وقروض الشركات وغيرها من عمليات مالية، ويتم احتسابه تحت إشراف البنك المركزي ومراقبته، ومع ذلك فهو لا يزال يعاني مشكلة لايبور في أنه غير مبني على أسعار فائدة حقيقية، أي أسعار فائدة ناتجة عن عمليات مالية فعلية، فهو مجرد تقديرات تقدمها البنوك. وهذا هو السبب في تأسيس مؤشر مرجعي جديد في الدول الأخرى، فنجد أن معدل سوفر الأمريكي يعتمد على عوائد السندات الحكومية بأحجام تداول تتجاوز تريليون دولار يومياً، وليس كمعدل لايبور مجرد تقديرات ولا كمعدل التمويل الفيدرالي الذي يستهدفه الفيدرالي، الذي هو الآخر مبني على رغبات الفيدرالي، وليس على عمليات مالية حقيقية، إن تجاوزنا عمليات السوق المفتوحة التي يقوم بها الفيدرالي. أي أن بالإمكان اعتماد سعر الفائدة الفيدرالية كسعر مرجعي، ولكن معدل سوفر الجديد يتميز عنه في أنه مبني على تكلفة اقتراض حقيقية بأدوات مالية مضمونة وليس مثل سوق الاقتراض بين البنوك (سعر التمويل الفيدرالي) الذي من خلاله تقوم البنوك بالاقتراض من بعض بدون ضمانات. كذلك ميزة معدل سوفر أنه مبني على عمليات تشمل فئات عديدة من المؤسسات المالية والمستثمرين، وليس فقط حكراً على البنوك كما في سوق التمويل الفيدرالي أو سوق سايبور السعودي.

من الصعب حالياً في السعودية إطلاق سعر فائدة مرجعي مثل "سوفر" بسبب عدم وجود سوق سندات نشطة وكبيرة بشكل يجعل من الممكن استخراج سعر مرجعي من خلالها، ولذا سيستمر سايبور بشكله الحالي مع التحسينات التي قام بها المركزي، ولا يوجد ما يمنع المؤسسات المالية السعودية من الاعتماد على "سوفر" أو غيره ولكن عادة إذا كانت السيولة المستهدفة بالريال فالسعر المرجعي يفضل أن يكون بالريال. ومع ذلك تبقى مشكلة محدودية الأدوات المبنية على سايبور، فلا توجد هناك سوق تحوط مركزية باستخدام سايبور كالعقود المستقبلية وغيرها من مشتقات مالية، ولذا تلجأ كثير من المؤسسات المالية السعودية إلى الأسواق الخارجية وتعتمد في ذلك على حقيقة أن الارتباط بين الريال والدولار يجعل من الممكن التحوط بنسبة نجاح عالية من خلال أدوات مسعرة بالدولار.

ختاماً، سبب عدم تطابق سعر الفائدة الرسمية بين السعودية وأمريكا على الرغم من وجود ارتباط عملة قوي وآمن لعقود طويلة يعود لاختلاف الأوضاع الاقتصادية بين الدولتين، واختلاف مستوى السيولة ونسبة التضخم، وأيضاً يحدث ذلك من أجل رفع جاذبية الريال في بعض الأوقات للحفاظ على سعر الصرف، وفي نهاية المطاف يبقى معدل سايبور السعر الرسمي المنهجي للفائدة في السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي