المملكة ستلعب دوراً في تعافي الاقتصاد العالمي
في الوقت الذي اجتمع فيه زعماء العالم في لندن للبحث عن أفكار وأموال في سبيل الحؤول دون حدوث انهيار شامل في الاقتصاد العالمي، تحولت معظم الأنظار إلى المملكة، باعتبارها من الموارد المعروفة للأموال النقدية.
إسهام المملكة في إنقاذ النظام المالي العالمي هو أبعد ما يكون عن كونه مهمَلاً. فالمملكة تستثمر أكثر من 70 مليار دولار, في سبيل أن تصل طاقتها الإنتاجية للنفط إلى 12.5 مليون برميل يومياً بحلول نهاية هذا العام.
ستظل أكثر من 40 في المائة من الطاقة الجديدة غير مستخدمة، وذلك حتى يستطيع المستهلكون العالميون الاستفادة منها في وقت لاحق. وإن السيطرة الحالية للمملكة على الطاقة الإنتاجية تجعل طهران وموسكو، ناهيك عن البلدان الأخرى، معتمدة تماماً على التعديلات في هذه الطاقة الإنتاجية.
ومن خلال التحكم في طاقتها الإنتاجية، تستطيع المملكة التحكم في السعر العالمي للنفط، وتستخدم المملكة هذه المكانة على نحو حميد. يفهم الزعماء السعوديون منذ عقود أن مصالح المملكة مرتبطة ومتداخلة برفاهية الاقتصاد العالمي، وأن الأسعار المفرطة وما يرتبط بذلك من تقلب كبير هما نقيضان للمصالح السعودية على المدى الطويل.
وتساعد المملكة في المحافظة على الاعتدال ضمن "أوبك"، وهو أمر أدى إلى انخفاض أسعار البنزين في مختلف أنحاء العالم. ولعل انخفاض أسعار البنزين والوقود هو أكثر الطرق كفاءة من حيث مساعدة المملكة على تعافي الاقتصاد العالمي. حين تقارَن أسعار النفط الحالية بالأسعار القياسية التي كانت سائدة في السنة الماضية، فإن الفرق يضيف مبلغاً إضافياً مقداره 200 دولار من الدخل الفردي بصفة شهرية.
كذلك حين تحافظ المملكة على الحد الأدنى من سعر النفط عند 40 دولارا تقريباً، فإنها تضمن بذلك أن اقتصادات بقية بلدان منطقة الخليج العربي تدير ميزانيات متوازنة تقريباً، وتعمل بالتالي كمحركات للاقتصاد العالمي.
هذا العام أعلنت المملكة عن ميزانية توسعية بصورة حادة، في سبيل المحافظة على الطلب المحلي. كما أن مشاريعها في البنية التحتية على مدى السنوات الخمس المقبلة، والتي تقدر تكلفتها بنحو 400 مليار دولار، يمكن أن يُنظَر إليها كذلك على أنها محفز مباشر للاقتصاد العالمي. إذ إن المشاريع طويلة الأجل ستساعد على مساندة القوة العاملة الأجنبية في المملكة، بدلاً من إشعال فتيل الهجرة الجماعية للعاملين الأجانب على النحو الذي نراه في بعض البلدان الأخرى في منطقة الخليج العربي.
من جانب آخر تستمر برامج التوريد للأغراض الدفاعية في المملكة في توفير الوظائف والدخل لكثير من الشركات الغربية. من المرجح أن يُعاد على الأقل تدوير مبلغ مقداره 220 مليار دولار إلى الخارج، على شكل صادرات وعقود نقل اليد العاملة. وفقاً للبيانات الرسمية، خلال السنوات الست الماضية استوردت المملكة بضائع تزيد قيمتها على 335 مليار دولار. ونحن نقدر أنه منذ عام 2003 قام العاملون الأجانب بتحويل مبالغ تزيد على 100 مليار دولار إلى بلدانهم من خلال الطرق الرسمية وغير الرسمية.
بالتالي ما الأمور التي سيطالب بها المسؤولون السعوديون في قمة مجموعة العشرين في لندن؟ أولاً وقبل كل شيء ستحارب المملكة الحمائية والتصرف بصورة أحادية. بعد أن انضمت المملكة إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، يدرك المسؤولون السعوديون أنه يجب تسوية الحواجز التجارية على نحو يسمح لعجلات الاقتصاد العالمي بالدوران دون توقف.
وعلى حد قول أحد الوزراء لي قبل اجتماع القمة: " ينبغي ألا تكون لدينا سياسات تقوم على الاستفادة على حساب البلدان الأخرى".
تريد المملكة التوصل إلى أنظمة مالية أفضل من ذي قبل، وتعتقد أن التقدم في تخفيف تجاوزات النظام المالي العالمي لا يمكن تحقيقه دون فرض مزيد من الرقابة والإشراف، ولكنها تريد ألا تعمل السيطرة على المؤسسات المالية على عرقلة المنافسة.
من المرجح أن يساند المسؤولون السعوديون الحجج التي تقدمت بها ألمانيا وفرنسا اللتان تجادلان في سبيل وضع تشريعات أقوى من ذي قبل على صناديق التحوط والمشتقات، على الرغم من أن البلدين يدركان أنه لا يمكن إلغاء وجود هذه الأدوات المالية. كثير من رجال الأعمال السعوديين تضرروا بفعل انكشافهم أمام هذه الوسائط والأدوات المالية. في المقابل، ينبغي أن ننظر إلى السياسات المحافظة التي تتبعها مؤسسة النقد العربي السعودي في تنظيم المؤسسات المالية السعودية على أنها سياسة جديرة بالاتباع والمحاكاة.
كذلك يرجح أن تعارض المملكة البلدان التي تقترح سياسة مبنية على التعافي "الأخضر"، أي على نحو يراعي البيئة من خلال أجندة تقوم على الاستخدام المنخفض للكربون. ليس بمقدور العالم اختيار اللون الذي سيتحقق به التعافي الاقتصادي.
أخيراً، فإن المملكة، حين تمثل بلدان منطقة الخليج العربي، ستتطلع إلى الدفاع عن مصالح صناديق الثروات السيادية التي لعبت دوراً لا يستهان به في المحافظة على الاستقرار المالي والثقة المالية حتى الآن. كثير من صناديق الثروات السيادية في بلدان المنطقة مستثمرة في مؤسسات مالية تعرضت أسعار أسهمها للانخفاض الكبير.
البنك المركزي السعودي الآن هو أكبر مؤسسة في العالم تقتني العملات الأجنبية، ويرجح لها أن تظل حريصة على الاحتفاظ بالقدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية.