إرهاب المخدرات

نعم إنه إرهابٌ يدمر المجتمعات، ويفتك بأغلى مقدراتها وهو عنصر الشباب، يديره ويعمل على نشره قوى خارجية من منطلقات سياسية، أو أيديولوجية وبتواطؤ من عناصر داخلية قد باعت ضميرها للشيطان، وإرهاب المخدرات إرهاب تعانيه مجتمعات العالم كلها، والتقارير الدولية تشير إلى إرهاب دولي منظم في تجارة المخدرات ففي تقرير مخدرات العالم عام 2007م الذي يعده "مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات" التابع لمنظمة الأمم المتحدة، فحجم تجارة المخدرات بلغ عام 2006، 322 مليار دولار سنويّاً وهو ما يعادل الناتج المحلي لـ 90 في المائة من دول العالم، ورصد التقرير حقائق مريرة عن حجم تعاطي المخدرات بمعدلاتها، وعن تزايد حجم زراعتها في دولة مثل أفغانستان بعد الغزو الأجنبي لها إذ تمد العالم بـ 92 في المائة من المخدرات،
ويكشف تقرير مخدرات العالم عام 2007م أن 54 ألف شخص ماتوا في بريطانيا بسبب المخدرات في المدة بين 1985 و2004م، طبقاً لوكالة مكافحة المخدرات التابعة للاتحاد الأوروبي.
وأظهر تقرير الوكالة ارتفاع عدد متعاطي الكوكايين في دول القارة الأوروبية إلى 4.5 مليون نسمة في العام الماضي، وهذا الرقم يمثل زيادة بمقدار مليون نسمة عن عام 2006م. هذا على هذا المستوى العالمي، وعلى المستوى المحلي والوطني فإن المملكة – ولا شك - مستهدفة في شبابها ومقدراتها ومكتسباتها، وحجم الكميات التي يتم ضبطها وتعلنها مكافحة المخدرات بين الفينة والأخرى دليلٌ على شراسة هذا النوع من الإرهاب، ولعلنا بعد هذا ننثر بعض الرؤى والتصورات حول معالجة ظاهرة المخدرات، وقد وقفتُ على شيء من جهود مكافحة المخدرات أثناء لقائي بسعادة اللواء عثمان المحرج مدير عام مكافحة المخدرات، وقد كنت أسعى لتحظى بلدتي الرويضة بالعرض التي لم تسلم من هذه الآفة, بوحدة مكافحة مخدرات علها تحد من تساقط شبابنا في براثن هذا الداء الخطير.
أولى هذه الرؤى أن حجر الزاوية في علاج آفة المخدرات هو العلاج الإيماني فهو أكسير الحياة، وهو الضمان الوحيد ـ بإذن الله ـ للمراقبة الذاتية، وإحياء الضمير الإنساني، وقد أشار ابن خلدون إلى أن صلاح العرب مرتبطٌ بتمسكهم بالدين، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ليس هناك رادع ذاتي غير الديانة مهما قالوا ودندنوا على الضمير أو الإنسانية أو غيرها.
والمجتمع المدني حين بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنموذج يحتذى به في معالجة ظاهرة الخمر، فقد كانت الخمر جزءا من الثقافة العربية تحتسى أنخابها وتدار كؤوسها في المجالس والمنتديات، وشاعرهم يصرح بمشاعر الانتشاء:
فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير

وهذا هو طرفة بن العبد يفتخر في قصيدة له ببيعه كل ما يملك من أجل شرب الخمر:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإتلافي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد

والآخر يقول:
وكأس شربت على لذةٍ وأخرى تداويت منها بها

توضح عائشة ـ رضي الله عنها ـ شيئاً من هذا العلاج الإيماني في حديثها (إنما نزل أول ما نزل منه ـ أي من القرآن ـ سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا لا ندع الخمر أبداً.. الحديث)، ثم جاء تحريم الخمر نهائياً في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : 90 ). ينقل لنا أنس بن مالك صورةً من صور سرعة الاستجابة يقول ـ رضي الله عنه ـ كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح، وأبا طلحة الأنصاري، وأُبيَّ بن كعب شراباً من فضيح وتمر، قال: فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: يا أنس، قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال: فقمت إلى مهراس ـ يعني حجراً ـ لنا فضربتها بأسفله حتى كسرت. وفي رواية، فأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منادياً: ألا إن الخمر قد حُرمت، فقال لي أبو طلحة، اخرج فاهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة".
ولهذا فعلى حملات التوعية عن أضرار المخدرات التنبه إلى هذا الأمر، إذ هو الأساس ويأتي بعده إبراز الأضرار والإقناع العقلي والمنطقي بخطورتها، ونحن نعلم أن مجرد العلم وحده بضرر الأمر لا يضمن لنا بالضرورة الامتناع عنه!
إن جهود مكافحة المخدرات جهود مشكورة ومقدرة من الجميع إلا أنه ينبغي التأكيد أن مكافحة المخدرات ومحاربة إرهابها واجبنا جميعاً أفراداً ومؤسسات في التصدي لهذه الظاهرة بالتوعية والتعاون مع الأجهزة المعنية.
وفي تقديري إن من أسباب الوقوع في المخدرات هي حالة الاغتراب والتفكك الاجتماعي الذي بدأ يزحف إلينا من الغرب والشرق، فعلى الرغم من مظاهر الترابط الاجتماعي إلى أن شبابنا وفي مراحل عمرية معينة يعيشون نوعاً من الاغتراب والفردية المقلقة والدليل على ذلك قصص وصور الابتزاز التي تقع على بعض الشباب ذكوراً وإناثاً، وقد تستمر أشهر أو سنوات ولا يشعر بها أقرب الناس إليهم، لقد قولبتنا مظاهر التغريب والانفتاح وأصبحنا جسوماً وأشباحاً تجيء وتروح، كلٌ قد تمحور حول ذاته وتمركز حول آماله دون شعور بالتراحم، أو التواصل الحقيقي، وهذا ثمنٌ باهظٌ للحضارة الغربية التي باتت تسهم في تشكيل مجتمعنا - شئنا ذلك أم أبينا - عبر قنواتها المختلفة دون أن تكون لدينا حصانة فكرية أو ثقافية لهذا السيل الجارف. ولعلي أشير هنا إلى كتابٍ مهم هو" حكمة الإسلام في تحريم الخمر" . دراسة نفسية اجتماعية للدكتور مالك بدري من إصدارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
من القضايا المهمة التي نختم بها هذه المقالة إزجاء الشكر والتقدير لرجال مكافحة المخدرات الذين يصلون الليل بالنهار في محاربة هذه الآفة اللعينة، والذين يبذلون أغلى ما يملكون وهي مهجهم ونفوسهم لحماية هذه البلاد، مع ما يواجهون من خطورة أو تهديد أو إغراء، وقد لمسنا من المسؤولين كل الدعم -ونأمل المزيد - لهذا الجهاز المهم الذي نقف نحن وإياه في خندقٍ واحدٍ لحماية البلاد والعباد من إرهاب المخدرات.

خاطرة:
تموت النفوس بأوصابها
ولم تدرِ عوّادُها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي
أذاها إلى غير أحبابها

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي