الموسوعة القانونية ما بين السرقة والاقتباس

[email protected]

كتب أستاذنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان مقالا بعنوان نظرات في الموسوعة القانونية في جريدة "عكاظ" 10 أيلول (سبتمبر)2007م، وكان في مقالته لطيفاً في نقده العلمي، أديباً في مخاطبته، حليماً في توجيهه، والمقال عن الموسوعة القانونية للزميل أحمد موسى الحفناوي وعبد الله بن مرعي بن محفوظ شاركت بكتابي في القسم الأول: (صيغ العقود الشرعية والنظامية بالمملكة العربية السعودية) الصادر في عام 1998م.
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ذكر في مقاله وبتحليل وافٍ، عن الأسلوب العلمي في التأليف، وكذلك حدود (الاقتباس)، حيث أشار بعد قراءته للموسوعة القانونية أنه (كان) يأمل أن تكون إضافة فقهية وقانونية عصرية جديدة تمثل جانباً مشرقاً في حياتنا العلمية والثقافية، فوجد الموسوعة القانونية عبارة عن قسمين رئيسيين:
القسم الأول: نماذج (صيغ العقود) النمطية المتبعة في المكاتب القانونية، ومكاتب بيع العقار والتأجير والعقود الأخرى ذات العلاقة.
القسم الثاني: عرض كامل لستة عشر (موضوعاً) تحتوي على ألفين وسبعمائة وسبع وعشرين مادة فقهية قانونية من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للعلامة الشيخ أحمد قاري رحمه الله تعالى، تحقيق الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، والأستاذ الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، طبعت ثلاث طبعات في مكتبات تهامة، الطبعة الأولى عام 1401هـ/1981م، والثالثة عام 1426هـ/2005م.
ثم ذكر حفظه الله تعالى النص التالي (بأنه لا يريد أن يتجنى على المؤلفين الكريمين: عبد الله مرعي بن محفوظ، والأستاذ أحمد موسى الحفناوي المستشارين القانونيين، ولكني أذكرهما أن الاقتباس العلمي كما يعلمان له معنى مصطلح عليه بين المؤلفين، وله حدوده وقوانينه المتعارف عليها بين المثقفين وأكاديميين وحقوقيين، فهل يسمى ما قاما به في الموسوعة القانونية (اقتباساً) ؟ وذكر أن النقل في القسم الثاني من الموسوعة القانونية، يعتبر استنساخاً لكتاب بكامله وهو مجلة الأحكام الشرعية، مع تجاهل تام لجهود المحققين في النص المقتبس).
وبناءً على وقائع وأدلة أستاذنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، أقول لا حرمنا الله من أدب وتوجيه المعلم حين يخاطب ويعاتب (التلميذ)، وأستأذنه أن يسمح لي (بمرافعة) جوابية لها خمس سنوات، تبثُ له بوقائع وجهات النظر ما بين الكاتبين عبد الله بن محفوظ وأحمد الحفناوي وبعض الزملاء الكرام حول هذا الموسوعة القانونية في النقاط التالية:
أولاً: بقدر فرحتي بمشاركة الزميل الأستاذ أحمد موسى الحفناوي بكتابي في القسم الأول من هذه الموسوعة القانونية والتي طبعت في عام 2002 م، إلا أنه لم يقبل بوضع اسم الكاتبين بشكل متواز على غلاف الموسوعة القانونية، لأنه هو الوحيد صاحب المجهود العلمي في تأليف (القسم الثاني) ورفع علي قضية في جمهورية مصر، ويطلب توضيح ذلك في مقدمة هذا الموسوعة، وتعويضه عن الضرر الأدبي والمعنوي الذي لحق بـ(المؤلف)، وما زالت المداولات القضائية لم تنتهِ إلى هذا اليوم ! وسبحان الله مقالكم الكريم وضع النقاط على الحروف، ولن أضيف عليها في مرافعتي القادمة مع الزميل أحمد الحفناوي.
ثانياً: أما بخصوص القسم الأول (صيغ العقود)، فقد ذكرتم في مقالكم الكريم النص التالي: (لو أردت تجريد الموسوعة القانونية تأليفاً من دون تجن فلن أظلم المؤلفين الفاضلين إذا قلت: إن العقود النمطية لصيغ العقود شيء مهم، شكر الله صنيعهما، فبهذا التدوين يسرا على المزاولين توثيق العقود، وهو موضوع له شأنه وأهميته في الفقه الإسلامي، والشأن الاجتماعي، بل علم التوثيق فن مستقل من فنون الفقه الإسلامي اهتم به كثيراً فقهاء المالكية بخاصة في الأندلس وبلاد المغرب العربي في كافة أقطاره)، وأقف عند هذا النص وأحمد الله فتقدير (جيد) أو حتى (مقبول) من الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان يعتبر(امتياز) وأغلى شهادة عندي.
بل أطلب مناقشة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حول موضوع صيغ العقود لأنها عقود نمطية ! فهل يحق لي فيها (التناص) ومدى شرعيتها ونظاميتها، لاختلافي مع بعض الزملاء المحامين حول نشر كتاب صيغ العقود، وحسب علمي فإن التناص من الظواهر التي اختلفت الآراء حوله، فالبعض يراه أنه افتقار من الكاتب حين يلجأ إلى نص كتبه غيره حتى وإن حسنه أو أبدع في تنسيقه وإخراجه، والبعض الآخر يرى أنه (سرقة) من الكاتب وتعد على نص غيره (فالنسخ ولو جزئي يعتبر سرقة دون علم صاحب النص المنسوخ منه).
وما بين السرقة والاقتباس في التناص ما زال (المفهوم يتأرجح)، قديماً كان التناص معروفاً في الأدب العربي القديم، حتى الشعر العربي القديم فطن لعلاقة النص بالنصوص الأخرى منذ الجاهلية.
والمفهوم الحديث الذي وضعته (جوليا كريستيلا) عام 1966 م، تقول فيه إن التناص هو: (أن يتشكل كل نص من قطعة من الشواهد، وكل نص هو امتصاص لنص آخر أو تحويل عنه)، لذا يمكننا القول أن التناص هو (أن يتضمن النص أفكاراً أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين أو الإشارة بحيث تندمج النصوص مع النص الأصلي لتشكل نصاً جديداً متوحداً ومتكاملاً).
لذلك تتفق أغلب الدراسات الحديثة على ان التناص قانون النصوص جميعا، ويعتبر النص الجديد سليلا من المرجعيات التي تشكل بعد أن تتقاطع و تعدل وتكثف وتنقل وتعمق، وتعاد كتابتها لكي تمثل نصا إبداعياً جديداً يتضمن معنى إضافيا متفردا ومتميزا على كل المرجعيات التي منها، وبهذا لم يعد النص يحمل فكراً أحادياً للكاتب بل أصبح يحوي أكثر من فكر يتأرجح بين الفكر الأصلي وفكر النص المنسوخ منه.
بمعنى أن (التناص) تقوم بتذويب النصوص وإماتتها تناصياً وملكياً، بمعني أنه ليس هناك ملكية للنص أو الأبوة النصية لأن الكتَّاب والمبدعين يعيدون مقالة السابقين بصيغ مختلفة قائمة على التأثر والتأثير, فالنص المقتبس يدخل في شجرة نسب عريقة وممتدة فهو لا يأتي من فراغ ولا يفضي إلى فراغ.
إن (عولمة) النصية تعتمد على إلغاء الحدود بين النص السابق والنصوص الجديدة حيث تأتي تلك النصوص موظفة ومذابة في النص الجديد فتفتح آفاقاً جديدة ما يجعل للنص أكثر من مدى زمني وأكثر من دلالة ما يجعله غنياً وحافلاً بالمعاني والدلالات.
ختاماً .. أشكر لكم يا سيدي الكريم التوجيه الأبوي والتوضيح العلمي الرفيع ما بين الاقتباس والسرقة العلمية لكامل الكتاب، وأول قرار سوف أتخذه بعد إتلاف الموسوعة القانونية في السعودية، هو المحاولة الجادة في إضافة شروح فقهية ونظامية للقسم الثاني إن استطعت بشكل علمي دقيق تستند على قدرة (المؤلف) في إضافة مادة علمية لهذه الموسوعة، مع التقيد بكافة الملاحظات التي أوردتها في مقالكم الكريم، وأسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي