مجلس الغرف السعودية والأمن الوطني
الأمن، ليس فقط حفظ النفس والمال وبث الطمأنينة في المجتمع، بل أصبح له أبعاد مختلفة، مثل الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والتعليمي والتكنولوجي، ويعتبر هذا المفهوم الشامل موجودا في آليات القرار الملكي الصادر للأمن الوطني السعودي.
ما دفعني للحديث عن الأمن الوطني السعودي، هو موضوع طرحه صالح التركي رئيس غرفة جدة يوم السبت الماضي في اجتماع مجلس الغرف السعودية، حينما قال نريد حلا (شاملا) للتنمية السعودية، حل لجميع مشكلات المواطن الاقتصادية والاجتماعية لا نريد للمجتمع السعودي أن يعيش على مسكنات ومعالجات وقتية. قالها حينما اشتد الوطيس وارتفع غبار النقاش بين أعضاء المجلس حول البطالة وارتفاع الأسعار تارة وحول الصناعة والتجارة تارة أخري، قال إن المشكلة أكبر من (جشع) رجل الأعمال القصير ذي الكرش المتدلية التي يصورها الإعلام، وأصعب من مجرد قرار من معالي الوزير لحل مشكلة بجرة قلم.
قال إن المجتمع يحتاج إلى معادلة شاملة ومترابطة مع بعضها البعض، تحل جميع المشكلات ليعيش المواطن في أمن واطمئنان، وليس مجرد دراسة (اقتصادية) لا تغني ولا تسمن من جوع! المهم هنا هو تفاعل عبد الرحمن الراشد رئيس مجلس الغرف السعودية، وإصراره على تعاون جميع الغرف التجارية لتكليف شركة عالمية يشارك فيها القطاع العام، ولكن على طاولة المساواة للخروج بحل (واحد) ونهائي لتفعيل الأنظمة واللوائح مع احتياجات المجتمع المدني على أرض الواقع.
نعم أيها الرئيس الشاب، نريد شركة استشارات عالمية، تقدم لنا تجربة ماليزيا في التنمية البشرية، وتقدم لنا تجربة دبي في التطوير العقاري، وتقدم لنا تجربة الصين في الصناعة، تجارب بسيطة وعملية يتفاعل معها المواطن والاقتصادي والحكومي، نريد مخرجات حلول وليس دراسات وزارة الاقتصاد والتخطيط التي يصعب فك رموزها وكأنها معادلة فيزيائية لقياس سرعة الضوء.
أعود وأقول إنني أجزم بأننا نتجادل حول دور الأمن الوطني، نعم نحنُ في حاجة إلى كيان شمولي فيها الأمن والسياسة، فيها الاقتصاد والمجتمع، فيها التخطيط والتنفيذ، فيها المراقبة والمتابعة، كيان يصدر منه (برنامج واحد) متكامل لكل قضايا الوطن والمواطن، من عمل وسكن وتعليم وصحة ونقل وأمن وتخطيط ومراقبة، قرار واحد (يقدم) إلى خادم الحرمين الشرفيين الملك عبد الله يدخل في صلب معاناة المواطن ويحلها جميعاً.
الأمن الوطني يجب أن يهتم بكل النواحي الحياتية التي تهم الإنسان السعودي، بدءاً من شعوره بالاكتفاء المعيشي والاستقرار الاقتصادي إلى الاستقرار الاجتماعي في محيطه الأسري. كذلك نريد من الأمن الوطني أن يهتم بمقال الدكتور عبد العزيز الخضيري حول عسكرة الاقتصاد، نقطة مهمة ذكرها الدكتور حول استقطاب الشباب للعمل في القطاعات العسكرية تحت برنامج تدريبي عسكري مدني إداري يؤهل ويستغل فترة المراهقة والفراغ للشباب بما يفيدهم وينعكس بالفائدة على الوطن بشكل عام، والبرامج يكون مرتبطا بتخصصات يحتاج إليها القطاع الخاص، وبهذا نحقق العديد من الأهداف التنموية والإنسانية، لحفظ الشباب من الفراغ وما يسببه من انحرافات فكرية أو سلوكية وفي الوقت نفسه يضمن لنا جيلا جديدا من الشباب الأكثر جدية وانضباطاً يخدم ويبني وطنا.
كذلك نريد من الأمن الوطني، أن يدخل مفهوما جديدا وهو (شرطة المجتمع) وهذا المفهوم يسبق الحدث الأمني ويقوم على المعلومات الدقيقة النابعة من مصادرها الحقيقية في المجتمع، وهو مفهوم قدمه المقدم محمد عبد الله المنشاوي لنيل درجة الدكتوراة، البحث استراتيجي، قوامها انفتاح الشرطة التقليدية، على مختلف عناصر المجتمع وتحقيق مشاركة حقيقية بين الشرطة والمجتمع في تحمل المسؤوليات الأمنية بجهد طوعي صادق. وهو جهد طوعي من قبل سكان الحي الذين تقع عليهم مسؤولية القيام بواجبهم في الحفاظ على مكتسبات الأمة والإنجازات الوطن، والمفهوم بسيط ويعمل على تكريس التعاون ومشاركة المجتمع المدني مع الشرطة في إجراءات الوقاية من الجريمة ومكافحتها.
الخليفة الرابع للمسلمين علي رضي الله عنه، قال ثلاثة أشياء يحتاج إليها المجتمع المسلم وهي الأمن والعدل والخصب، بالأمن تطمئن النفوس وتستقر الأوطان، وبالعدل تصان حقوق الفرد والجماعة، وبالخصب يقضي على الفقر والعوز. والإمام العادل عمر بن عبد العزيز، قال لأحد أمراء المناطق الذي كتب إليه، إن مدينتنا قد (تهدمت) فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرممها به فعل، فكتب إليه الإمام عمر قائلاً إذا قرأت كتابي هذا، فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنهُ عمارتها.
كذلك أكد (ابن مسكويه)، في تحليل النفس البشرية كمقدمة لإرساء دعائم المدينة السياسية التي قوامها العدل، والذي يكتسب بالتعلم والتطويع للقوى الثلاث (قوة النار وقوة الغضب وقوة الشهوة) كما ركز على أسس التربية الاجتماعية وقال أبو (الحسن الماوردي) إن الأمن ينبع من تنمية مواهب الفرد إذ لا صلاح للمدينة دون صلاح (الفرد) الذي لا يتأتى إلا بتوافر سبل العيش الكريم والتعلم والأخلاق والدين، ولقد حدد ما تصح به الدنيا والإنسان فـــي ستــة أشياء وهي: (دين متبع - سلطان قوي - عدل شامل - أمن عام - خصب دائم - أمل فسيح)، وقال إذا توافرت هذه الشروط ساد الأمن في الأوطان، فأمن الإنسان على نفسه، وأمن المجتمع على كيانه، وكل منهما مرتبط بالآخر.
ختاماً، أبارك لكم عيد الأضحى، وأقول إن الإسلام أكد على مبدأ العدالة الاجتماعية بنبذه مظاهر الاستغلال وبالعدالة والمساواة وبتحرر الإنسان من الظلم الاجتماعي وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص واحترام منظومة حقوق الإنسان. وإذا نسقنا المبادئ التي كرستها أعمال الفلاسفة والمفكرين العرب والمسلمين السابقين لوجدنا أنها أرست نظرية للأمن الوطني ولتنظيم المدينة، والحياة الاجتماعية وتنمية الفضيلة وتوفير التربية المدنية وتدعيم العلاقة الأسرية وضمان العمل وحماية العجزة والمعسرين وابن السبيل، لأجل بناء مجتمع سليم آمن في ظل أسس العدالة الاجتماعية.