"فومو" العملات الرقمية

هل شعرت يوم بأنك تفوت على نفسك شيء من المتعة بسبب النوم مبكرا؟ أو شعرت بقلق لأن تخصص أكاديمي آخر قد يكون أعلى جنيا للمال من تخصصك الحالي؟ هل ما يحدث في مكان ما أكثر متعة من مكانك الحالي؟ تستمر هذه الحالة النفسية في التأثير على سلوك البشر على وجه العموم وفي شتى المجالات مجتمعيا، وظيفيا، تجاريا وحتى في الترفيه هل خفت من فوات فرصة شراء تذكرة مباراة فريقك المفضل؟ هل أخذت يوما ما قرار بسبب خوفك من أن ما يربحه الآخرين تفقده أنت؟

كل هذه النماذج مجتمعة تمثل ما يعرف بالخوف من فوات الفرصة وهو ما يجعل الغريزة النفسية للبشر لانتهاز ما يمكن انتهازه تلح عليهم للمسابقة أو الاتباع، تسمى هذه الحالة ب “FOMO” وفومو تعني الخوف من فوات الفرصة التي تثيرها في كثير من الأحيان موجات التوجه العامة والتغطيات الإعلامية الكبرى لبعض الأحداث أو الوقائع وكذلك في عصرنا الحالي لوسائل التواصل الاجتماعي دور مهم في ذلك لسرعة التغطية وانتشار المعلومة أمام المليارات من البشر. إن أكثر ما يلمسه الناس من الخوف من فوات الفرصة يرتبط بكسب المال، في أغلب الأحيان ارتفاع سوق الأسهم دون أن يكون لك فيها استثمار، قفزات أسعار العقار في الوقت الذي يمضي الوقت وأنت تبحث عن مسكن العمر، رواتب أعلى في قطاع آخر غير قطاعك الذي تعمل فيه.

كل هذه الأمثلة على الخوف من فوات الفرصة تأتي ضمن أسواق منظمة وليس للمشرع أثر في هذا الشعور، سوق أسهم منظمة، سوق عقارية منظمة، تصاريح تجارية متاحة، فرص عمل بالإمكان البحث عنها ورغم أن ما تحدثه هذه الحالة طبيعي جدا فالحالة العامة هي من حكمة هذا الشعور. إلا أني ولأول مرة أرى أن للمشرع دور في رحلة يخشى فيها الأفراد فوات الفرصة عليهم حيث نشأت فعلا حالة من خوف الأفراد بأن سوق العملات الرقمية فرصة ضائعة يؤدي فيها غياب التشريعات دور مهم لأنه سوق غير منظم أو متاح الآن في السعودية.

قد يلوم المتابعين المركزي وهيئة السوق المالية تأخرهم في بحث تشريعات هذه العملات خصوصا وأنها منظمة في أكثر من 110 دول حول العالم، إلا أن هذا وحده لا يكفي وحتى تكون النظرة منصفة لا بد أن نأخذ في الحسبان منظور المشرع لأي سلعة أو سوق في الأساس ودورة تشريعها التي تأخذ في كل الأوقات دراسات مستفيضة من منظورها الأساسي ومن زاوية مأمونية التعامل بها ومحاكاتها لأنظمة البلاد وأيضا توفير أطر الحماية للأفراد عند وبعد تشريعها، كل هذه الزوايا وغيرها من رحلة التشريع لأي منتج جديد تأخذ وقتها وتتطلب منظور واسع لتغطيتها فكيف بنا بسوق أساسه نشأ من العدم لتداول أصول لا تستند إلى قاعدة اقتصادية واضحة وليس لها مرجعية واضحة يعتمد عليها أو يتبنى تشريعاتها.

مثل كثير يرى القفزات الكبيرة للعملات الرقمية ويشعر بالقلق خوفا من فوات الفرصة عليه وأجدني وللمرة الأولى أمام حالة قلق يشارك فيها المشرع للتعاملات المالية، وفي الوقت ذاته أرى أنه الأحق في التأكد من جميع أركان السلعة قبل تصريحها. هذا التأني مهم لكل سلعة أو أصل يراد إدخاله إلى السوق فكم من قصص احتيال أو انهيارات شهدناها لأصول كان دافع اللحاق بها الخوف من فوات الفرصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي