"الريال" و"التضخم".. والمفاضلة بين السيناريوهات

[email protected]

ليست صدفة أبداً، أن يكون عنوان ساحة الرأي الاقتصادي حالياً، (الريال) و(التضخم)، وكل الاحترام والتقدير لكل الحوارات والمناقشات التي دارت بيني وبين عدد من الأساتذة والاقتصاديين، وصل بعدها إلى جدلية حادة، فنحن أولاً وأخيراً يجب أن نقف (بحيادية) تامة، ما بين حلم مواطن وسياسة دولة.
ولعلني هنا استشهد خصوصاً، برسالة بريد من الأستاذ جميل فارسي قبل يومين من تسليم مقالي، إذ يرى الأستاذ والزميل العزيز في موضوع التضخم أنه (حتى وإن دعمنا الأرز ليصبح سعره (هللة) واحدة، فلن نحل مشكلة المواطن الذي لديه ثلاثة خريجين ولم يجدوا وظيفة، وكذلك بنتين في انتظار التعيين". وأضاف أن كل مشكلة اقتصادية يمكن أن تحل بخطة من عشر خطوات الخطوة، الأولى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق من المال العام، والثانية إلى العاشرة (انظر الخطوة أعلاه)، كلام مختصر ومحدد الهدف، وهو أولوية الإنفاق على التنمية البشرية.
إن معالجة مشكلة التضخم في السعودية التي ظلت لسنوات طويلة ثابتة ولا تتجاوز 2 في المائة، أصبحت مستحيلة مع ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الإنفاق الحكومي على التنمية، والتضخم أصبح تحت صفيح ساخن ويسجل زيادة مطردة من عام 2005م، حتى بلغ في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي 5.35 في المائة، ولكن زيادة الإنفاق الحكومي ليست هي السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات التضخم، بل هناك بعض المسببات الأخرى التي لا تقل أهمية، وهي السياسة النقدية، وانخفاض سعر الدولار، والتضخم العالمي، وضعف الرقابة على السلع والخدمات.
هنا نقف نقطة نظام مع كلمة (الرقابة)، ومن خلال تصريحات وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف ومحافظ "ساما" حمد السياري في المناسبات والمؤتمرات الاقتصادية، نستشف منهما أن هناك (إدارة) والتي لا نعرف اسمها الرسمي، ولكنها موجودة في الواقع داخل أروقة وزارة المالية أو مؤسسة النقد العربي السعودي، مهمتها مراقبة العملة الوطنية (الريال)، ومتابعة تداولها في الأسواق المحلية والعالمية، إضافة إلى مراقبة معدلات التضخم.
وهنا لا أريد إن أخوض وأناقش سياسة هذا الإدارة وماذا ستفعل في عام 2008م، حيث أرى من الواجب إن تقوم هذه الإدارة بدق جرس الإنذار، إذا وصل الأمر برفاهية المواطن وقوت يومه ولقمة عيشه!
هناك أكثر من 16 مليون سعودي تقريباً، تتعلق أعينهم وقلوبهم لمعادلة الطلب والعرض والأسعار، فقد أدرك الجميع بعد خطوة الحكومة الأخيرة، أن الخطوة المقبلة في القريب العاجل الانتقال من دعم الغذاء، إلى دعم الدواء أيضاً، على خلفية أنها واحدة من أهم فواتير المواطن.
وما نتمناه أن نحظى بشفافية من وزارة المالية ومؤسسة النقد في هذا الجانب، بالكشف الدوري عن الأرقام الحقيقية للتضخم وموقف الريال، دون أن نلجأ إلى المصادر الأجنبية.
دعونا نعود إلى الوراء قليلاً، وتحديداً منذ بدء عام 2007 الذي يشارف على الانتهاء، فنحن حتى اليوم لا نزال نتحدث عن عملتنا الوطنية (الريال) وعلاقتها بالتضخم، وهو حديث لطالما يصبح (ضجيجا)، حينما تشهد العملة الأمريكية انخفاضاً، وانخفاض الدولار له أسباب أخرى تتعلق بالاقتصاد الأمريكي. وأتمنى هنا أن يصدق توقع الدكتور أنس حجي الذي ذكرها في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الماضي في مقالة في "الاقتصادية" عن توقعات بارتفاع الدولار في 2008.

وأنا أحد الذين يجزمون هنا من خلال كل الأحداث الماضية وما أعلن رسمياً، أن ربط العملة السعودية بالعملة الأمريكية، سيستمر تبعاً لجدوى هذا الارتباط وأهميته في السياسة النقدية، خاصة بعد أن فشلت (الكويت) في تخفيض التضخم من خلال ربط عملتها بسلة العملات، وللتذكير فقط، وعلى ذلك فلا مجال في الوقت الراهن لتغير سعر صرف الريال أو ربطه بسلة عملات، نظراً للوقائع التالية:
- إن جميع صادراتنا ومعظم وارداتنا مقيمة بالدولار الأمريكي.
- إن الريال مغطى بالكامل باحتياطيات النقد الأجنبي، وتحتفظ مؤسسة النقد باحتياطيات سائلة كافية لمواجهة المطالبات المحتملة على الاحتياطيات.
- إن احتياطيات السعودية من النقد الأجنبي تكّونت من إيرادات النفط ودخل الاستثمارات، وليس من الاقتراض القصير الأجل للنقد الأجنبي.
- ليس الريال عملة غير متوازنة من حيث سعري صرفه الاسمي والحقيقي.
- إن استقرار سعر صرف الريال مقابل الدولار يقلص المخاطر بشكل حاد بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
لذلك فإن ربط سعر صرف الريال بالدولار سلاح ذو حدين، ففي حالة انخفاض الدولار يكون ذلك إيجابياً للسلع والخدمات السعودية المصدرة حيث تكون أرخص وتملك قوة تنافسية في حالة التصدير مثل ما تصدره الشركات السعودية القائمة والمنتجة من سلع، وفي المقابل فإن التجارة مع غير منطقة الدولار، مثل منطقة (اليورو) أو (الين) تكون ذات تكلفة عالية، حيث نستورد سلعا غالية الثمن، مثل السيارات والأدوية، فكأننا نستورد التضخم المضر بالاقتصاد.
وللأسف فإن كل المطالب الاقتصادية أو الإعلامية للمطالبة برفع قيمة الريال لتعويض نسبة التضخم ولتخفيف العبء عن كاهل المواطن، (أسقطت) تماماً أمام دراسات الباحثين الاقتصاديين الذين أكدوا آثاره السلبية في المستقبل القريب، فهذا الارتفاع سيؤدي إلى أثر إيجابي في زيادة دخل الفرد لفترة قصيرة لا تتجاوز الأشهر، ولكنه في المقابل سيؤدي إلى رفع مستوى الأسعار فتتضاءل القيمة الشرائية للدخول، كما أن لرفع قيمة الريال آثاراً أخرى سلبية على الاقتصاد الوطني من انخفاض الصادرات غير النفطية.
ولهذا أثر سلبي على ميزان المدفوعات التجاري، والأمر نفسه ينطبق على أهم صادرات السعودية، وهو النفط ومشتقاته، فقد لا تتدنى كمية الصادرات في الأشهر الأولى التي تأتي بعد رفع قيمة الريال، ولكن قيمتها بعد بضعة أشهر ستنخفض، أي أن عائدات الدولة وقيمة احتياطياتها الشرائية من العملات الأجنبية، وأهمها الدولار، ستنخفض أيضاً.
ختاماً، ربما يعارض المواطن محدود الدخل الخطط متوسطة الأمد، خصوصاً إذا وصل التضخم إلى نقطة (حمراء)، أعني بها لقمة العيش من مبدأ (أحيني اليوم وأمتني غداً)، ولكننا على ثقة بأن استراتيجية التنمية البشرية، هي الملاذ الأمين لمستقبل الأجيال المقبلة، وهي أجدى نفعاً من محاولة تدخل الدولة لدعم الغذاء أو الدواء أو زيادة الرواتب، وأولويات الإنفاق من المال العام على التعليم والتدريب ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل، هو الخيار الأفضل لمواجهة التضخم والغلاء من مبدأ تكافل العائلة التي يعمل جميع أفرادها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي