غرفة جدة تصنع النجوم
سابقا كانت جدة تفخر بأبنائها موظفي الخطوط الجوية السعودية، وكان الجميع يتسابق للظفر بوظيفة فيها، حيث كونت في بداياتها بيئة عمل خلاقة لم يكن لها مثيل في جدة ، ثم قفزت شركة صافولا إلى الواجهة لتحل محلها كبيئة عمل جاذبة - في تنافس مذهل لاستقطاب الكفاءات وتدويرهم داخل "صافولا" وإنتاج مجموعات من الشباب السعودي المؤهل والمتسلح بصناعة المعرفة.
بالطبع تظل "أرامكو" الشركة الوطنية أو الجامعة العملية ذات القيِّمة المضافة التي يتخرج منها المواطن السعودي بفخر واقتدار، تلك النماذج كونت لنفسها بيئة محترفة لصناعة نجوم العمل الوطني، منها يسطع نورهم، ويشع ضوؤهم، ويكونون مثلاً أعلى لغيرهم في الإخلاص والبذل والتفاني ونبذ الذات وتغليب الصالح العام.
وهنا أتذكر أول لقاء جمعني بصالح التركي رئيس الغرفة التجارية في جدة بعد انتخابات الغرفة نهاية 2004م، والزيارة كانت مبادرة مني لكسر جليد المنافسة في الانتخابات وتذويب أي رواسب قد تكون تراكمت بسببها، وأتذكر من اللقاء معه روحه المرحة والتي تحمل في ثناياها عبارات التوجيه، وكان يسأل عن اهتماماتي العملية سواء أكانت شخصية أو اجتماعية أو خيرية.. أسئلة متعددة وسريعة، وبما أن لكل مقام مقال كانت إجابتي كذلك مختصرة ومقتضبة، وهي أنني تعلمت ودرست وشاركت إخواني أبناء مكة المكرمة، وتعلمتُ عملياً معنى المساواة واحترام الآخر، ولمستُ قيمة المشاركة مع أهل الحارة بالعتيبية والششة والعزيزية ومدى أثرها في تكوين الفريق الواحد القائم على تذويب الذات، بحكم طبيعة عمل معظم أهل هذا المكان ومخالطتهم مع ضيوف الرحمن أخذتُ أصول التجارة والبيع والشراء.
اختتم اللقاء بقوله: أهلا بك في مصنع النجوم في غرفة جدة، فكان ردي سريعا أن الغرفة التجارية لا تصنع سوى الرئيس والأمين العام! فقال لماذا أتيت إليّ أنا؟ لستُ الرئيس، فقلت إنني بادرت بالزيارة لك دون أعضاء مجلس الإدارة، من باب إحسان الظن وأخذاً بنصيحة أخي هاني ساب الذي قال لي: إذا أردت أن تعرف صالح التركي لا تنظر إليه من زاوية الأعمال التجارية بل من دوره الاجتماعي في جمعية البر في جدة، وجمعية الصم والبكم، والمسؤولية الاجتماعية.
خرجت من الاجتماع وقررت أن أنتظر فترة لتقييم الوضع وبما تأتي به الأيام، وبعد سنة ونصف جاء قرار أعضاء مجلس الإدارة في غرفة جدة بتغير الرئيس وإجماعهم على اختيار صالح التركي رئيساً جديداً، وفي منتصف عام 2006م واجه صالح عدداً كبيراً من المشاكل التي تحتاج إلى نية صادقة وعزم وإرادة حازمة لمواجهتها، والتي تتطلب الأخذ بمنهج حصر القدرات والإمكانيات ثم توزيع العمل بين أعضاء مجلس الإدارة والقيادات في الغرفة التجارية لمواجهة تلك العقبات المتمثلة في النقاط التالية:
1- الهدر في موارد الغرفة ومخرجات الإنفاق.
2- الصراع والعداء بين الموظفين على الترقيات والمناصب.
3- ضياع وغموض المعلومات المالية والتي أصبحت سبباً قوياً للإبقاء في المنصب.
4- ضعف الولاء والالتزام بين الموظفين وظهور بوادر اللامبالاة والفردية عند تنفيذ العمل.
5- ضعف روح المبادرة والإبداع.
فكان أول قرار هو تقسيم سائر الأعمال وتوزيعها ما بين أعضاء مجلس الإدارة والقياديين في الغرفة التجارية وخلق علاقة زمالة قائمة على الاحترام والتعاون ونقل الخبرات، وكسر حاجز الخوف من" الدور العاشر" الذي كان يسمى سابقاً (الديوان) لأنه مخصص لأعضاء المجلس والمجتمع المخملي في منطقة مكة.
قرار تقسيم إدارة الغرفة هو (التحدي) الجديد للأعضاء، والتحدي الآخر هو تنازل الرئيس والأمين العام عن بعض المسؤوليات لخلق مفهوم جديد للإدارة لا يقوم على المركزية.
القيادة الناجحة هي التي تعمل على بث روح التعاون والعمل بروح الفريق الواحد، والرئيس الناجح هو الذي يدرك أهمية رفع معنويات الموظفين والتعرف على شخصياتهم ورغباتهم وقدراتهم، ويجعل كل فرد ينتمي إلى الغرفة التجارية يشعر بالفخر والاعتزاز، ويؤدي واجباته والتزاماته بحب واستمتاع، بعيداً عن الروتين الممل أو المبالغة في الشكليات الإدارية المفرطة.
بعد قرار الرئيس نجح أعضاء مجلس الإدارة في إحداث نقلة نوعية في العمل لتركيزهم على العنصر البشري الوطني، حيث اتخذ الرئيس قرار سعودة الوظائف ورفعها من 67 في المائة إلى 95 في المائة خلال ثلاثة أشهر فقط، واهتم بنظام الحوافز المادية والمعنوية لخلق بيئة ومناخ ملائم للإبداع والتطوير، وطلب من الجميع استحداث منتجات وإبداعات جديدة، فكانت المبادرات تتقدم من أعضاء الغرفة، والإبداعات تتوالى من جميع الموظفين، حيث شارك الكل في نجاح نظام التأمين التكافلي، ومشروع إطلاق سراح صغار التجار من المعسرين، ومشروع المسؤولية الاجتماعية، ومركز جدة للقانون والتحكيم، ومشروع القوارب لصغار الصيادين، ومشروع صيانة وتجديد مركز جدة الدولي للمعارض والمؤتمرات، ومشروع تطوير الأرض الشمالية لمركز المعارض، ومشروع نقل منتدى جدة إلى مركز جدة الدولي للمعارض والمؤتمرات لأول مرة في تاريخه.
قرار المشاركة خلق بيئة عالية التحفيز، لنقل خبرات الأعضاء وزيادة قدرات الموظفين وصنع هوية مشتركة للنجاح، واللافت أن هذه المشاريع لم تبق حبرا على ورق، بل تم الانتهاء منها 100 في المائة في عام 2007م، هؤلاء الشباب الذين لم يكونوا مجرد موظفين فقط، بل أصبحوا نجوماً في مجتمع جدة، فمن مشروعات الغرفة خرج عدد كبير من النجوم الذين أسهموا في تلك المشاريع
انطلق المستشار مصطفى صبري، عدنان مندورة، عثمان بصقر، المهندس محيي الدين حكمي، المهندس خالد سواس، مطعم طربزوني، وإبراهيم بدر ينثرون إبداعاتهم في كل مشروع جديد، ومن مركز خديجة بنت خويلد نجحت الدكتورة بسمة العمير ونادين راسم، ومن منتدى جدة الاقتصادي 2008 نجحت سامية فلمبان، وحنا ميمني، وكانوا الجنود المجهولين لجميع الأعمال الداخلية للمنتدى، ومن مركز المعارض والمؤتمرات نجح محمد منصور الساعد في تأسيس مجلس إدارة للمركز ووضع خطة لتطوير مركز المعارض وإعادة الحيوية إليه وتجديده وصيانته بما يليق بمدينة جدة خلال سنة واحدة، وأصبح المكان مهيئاً لاستقبال المنتدى الاقتصادي وغيره من المشاريع والفعاليات الكبرى في مدينة جدة، ويشاركه في هذا الجهد الكبير زميلاه يحيى منصري، وعمر باحكم.
ومن مركز القانون والتحكيم الذي ظهر لمجتمع جدة بثوب جديد بجهود الشريف عوض الهبيلي، والمستشار يوسف خراز، ومن قطاع العلاقات العامة سارة بغدادي، وأحمد الغامدي، حيث كان لهم دور ملموس في تغيير الواجهة الإعلامية للغرفة التجارية، وصناعة خبر دائم في المجتمع الجداوي يقول: (نحن معكم) أينما كان العمل اجتماعياً أو اقتصادياً أو تعليمياً، هؤلاء النجوم وغيرهم من الجنود المجهولين الذين احترموا العمل وتحملوا المسؤولية تجاه المهام المطلوب إنجازها، وخاصة أن كل أولئك النجوم شاركوا بجهدهم في نجاح غير مسبوق لمنتدى جدة الاقتصادي 2008.
هذا الشعور المشترك ساهم في خلق النجاح وطبقها على أرض الواقع، بل وأسهم في تحفيز الهمم، واكتشاف المواهب الذاتية، وتنمية القدرات الإبداعية، لذلك نجح الشباب لأنهم أقبلوا على المبادرة بهمة عالية دون خوف من الفشل، أو التمسك بحرفية الوصف الوظيفي، بل أصبح الواحد منهم يتوقع المشكلات قبل حدوثها ويسهم في تقديم حلول لها.
ختاماً.. مقالي ليس لصالح التركي ولا إلى سامي بحراوي أو الدكتورة لمى السليمان لأنها أسماء معروفة بما قدمت من أعمال، بل مقالي منصب على الثقة والاحترام والتعاون في غرفة جدة الذي صنع نجوماً ساطعة في سماء جدة من الطبقة الوسطى للمجتمع.. مقالي لشباب الغد الصاعد من الغرفة التجارية ليحجز مكانه بين نجوم منتدى جدة الاقتصادي؛ بالجهد والكفاح والتفاني ونبذ الذات وحسن العمل مع الإرادة القوية والهمة العالية.