أساطير التجار في فك الربط بالدولار(1-2)

[email protected]

تنتشر الأساطير الاقتصادية و نظريات المؤامرة المفسرة لأسباب عدم فك الربط بالدولار. وتحرص بعض وسائل الأعلام على نقل كل شاردة أو واردة لتصريح مصرح أو تحليل محلل طالما أنه يصب في صالح رفع قيمة العملات الخليجية أمام الدولار( إما بفك الربط أو بإعادة التقييم) وذلك بحجة مكافحة التضخم.
هذه الحملة من ورائها بعض التجار والأجانب من ذوي النفوذ سواء في الأعلام أو في بعض الحكومات الخليجية، وذلك لأنهم هم المستفيدون الحقيقيون من تعديل سعر الصرف ،علم هذا من علمه و جهل هذا من جهله.
و بنظرة علمية مجردة عما اشتهر بين الناس، فإن رفع قيمة العملة في الدول الخليجية يختلف اختلافا جذريا عن الدول الأخرى من حيث الكلفة والنتائج السياسية والاقتصادية. فمعظم دخل الدول الخليجية مصدره واردات البترول المقومة بالدولار بينما تشكل الضرائب معظم مصدر الدخل في الدول الأخرى. وجوهرهذا الاختلاف و شاهده هنا هو أن الحكومة الخليجية هي الخاسر الأكبر و المتحمل الوحيد لكلفة رفع قيمة العملة دون تحقيق أي مكاسب شعبية أو اقتصادية ما عدا رضا التجار و بعض الأجانب. وأما الدول المعتمدة في دخلها على الضرائب فرفع قيمة العملة تقع غالب كلفته و نتائجه على المجتمع الاقتصادي المحلي ودخل الدولة يتبعه هبوطا و صعودا.
و لإيضاح المسألة، فلنفترض جدلا بأن مؤسسة النقد أعادت تقييم الريال برفع قيمته 20% أمام الدولار بحيث يكون ثلاثة ريالات للدولار فالسؤال الأول الذي يطرح نفسه هو: ما هي كلفة ذلك على ميزانية الدولة؟
و نظرا لاعتماد دخل الدولة بشكل أساسي على الدولار الذي هو ثمن غالب المشتقات البترولية، فينبني على ذلك الأتي:
أولا: ارتفاع كلفة رواتب موظفي الدولة 20 % دون أن يظهر ذلك على القيمة الأسمية. أو بعبارة أخرى، إن مدخول الدولة المخصص لدفع رواتب موظفيها قد انخفض 20% مما سينعكس بانخفاض فوائض الميزانية.
ثانيا: ارتفاع كلفة جميع مناقصات الدولة المقومة بالريال بنفس النسبة.
ثالثا: إرتفاع قيمة دين الدولة العام الذي هو بالريال السعودي و كلفة خدمته بنسبة 20%.
و أما السؤال الثاني فيتعلق بما هو كلفة تعديل سعر الصرف من الجانب الدولي؟ فالجواب يتلخص في الأتي:
أولا: التصرف بشكل فردي و غير مسئول وذلك بكسر اتفاقيات توحيد سعر الصرف بين دول الخليج سواء من أجل الاستعداد للوحدة النقدية أو لتسهيل التبادل التجاري بينها.
ثانيا: نفور الاستثمارات الأجنبية، و ذلك لارتفاع الكلفة وإعادة الحسابات و كما سيؤدي أيضا إلى عدم استخدام الريال كعملة رئيسة في تقييم المشاريع.
ثالثا: انخفاض التنافسية السعرية للمنتجات المحلية أمام المنتجات الدولية.
رابعا: يجب أن ندرك أن تعديل سعر الصرف له أثر مهم على اعتبارية الريال الدولية. حيث أن العملة في زمننا هذا مبنية على الثقة وذو حساسية شديدة للتلاعب بقيمتها وخاصة عملات الدول النامية.
ودول الخليج كلها، باستثناء الكويت، قد مارست انضباطا ماليا على المستوى الدولي لعقود من الزمن من أجل كسب الثقة الدولية. وتصرف مثل هذا سيؤدي إلى تخلي الدولة عن سمعتها المالية الدولية التي ما اكتسبتها إلا بإتباع سياسة حازمة لا تتقلب بتقلب سعر صرف الدولار هبوطا و صعودا ولا بتقلب الأحوال الاقتصادية. فالبنك المركزي الذي يعدل سعر الصرف عند هبوط الدولار يصعب التنبؤ بسلوكه عند ارتفاع سعر الدولار أو حين تغير الأحوال الاقتصادية، مما سيجعل الريال عرضة للمضاربات عند كل مناسبة وذلك لفقدان الثقة الدولية بسياسات مؤسسة النقد مما يستلزم الاحتفاظ باحتياطيات نقدية أجنبية مكلفة بدلا من استثمارها في صناديق سيادية و نحوها.
وإيجاز الكلفة على الدولة هو محتوى هذا الجزء من المقال وأما الجزء الثاني من المقال فسيتناول النتائج. وتتلخص بأن التجار لا ذو الدخل المحدود هم المستفيدون من رفع قيمة الريال، كما سيتناول شرح لبعض التصرفات دول الخليج في و خاصة الكويت ( دولة التجار) فالحديث عنها في هذا المقام حديث ذو شجون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي