ضربة مفجعة لأسهم الذكاء الاصطناعي
منذ نحو عامين تسببت موجة الذكاء الاصطناعي بارتفاع كبير في أسعار أسهم التكنولوجيا التي قادت السوق الأمريكية لتحقيق ارتفاعات غير مسبوقة وتحقيقها لقمم تاريخية وأرقام جديدة لم تكن وصلت إليها من قبل، فخلال عامين فقط ارتفع مؤشر الناسداك الذي يهتم بقطاع وشركات التكنولوجيا 95% محققاً ارتفاعات تجاوزت 9800 نقطة، بينما سباكس (SPX) المؤشر الأشهر بين المؤشرات الأمريكية والأكبر من حيث القيمة السوقية ارتفع خلال الفترة نفسها 60% وبنحو 2300 نقطة، والتي تمثل أسهم التكنولوجيا النسبة الكبرى في حركته، وحتى مؤشر الداو جونز لم يكن بمنأىً عن مواكبة هذه الارتفاعات حيث يعد لأسهم التكنولوجيا وزناً مؤثراً في حركته، فقد ارتفع هو الآخر خلال الفترة ذاتها 43% محققاً ما يزيد على 13600 نقطة، وأما مؤشر قطاع أسهم التكنولوجيا ( XLK) فقد حقق ارتفاعات تجاوزت 100% حيث تحرك مؤشر القطاع خلال عامين فقط من مستويات 120 إلى ما يزيد على 240 نقطة.
هذه الارتفاعات القياسية والتاريخية التي استمرت نحو عامين على المؤشرات الأمريكية من خلال تحقيقها ارتفاعات تاريخية بدعم لا محدود من الشركات الأمريكية التي تربعت على عرش الذكاء الاصطناعي كما يقال، لم تكن تعلم أن هناك شبحا قادما من بعيد قد يعيدها إلى الوراء "ولو" كان ذلك لبعض الوقت، كما أن هذا الشبح إن صح التعبير الذي أقض مضاجع شركات التكنولوجيا الأمريكية بين عشية وضحاها جاء من التنين الصيني الند اللدود للاقتصاد الأمريكي والذي يليه في المرتبة الثانية اقتصاديا.
فقد تسبب ظهور DeepSeek الصينية وهي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في محو شركات التكنولوجيا الأمريكية لأكثر من تريليون دولار من قيمتها السوقية خلال ساعات فقط، فعلى سبيل المثال لا الحصر تراجعت أسهم شركة نيفيديا الأمريكية 18% خلال يوم واحد فقط! حيث تقدم الشركة الصينية مجموعة واسعة من الخدمات في مجال الذكاء الاصطناعي والتي يقارن المستثمرون بينها وبين شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية التي تقدم الخدمات نفسها بنحو مقارب إلى حد ما، لكنها بالوقت ذاته والحديث هنا عن الشركات الأمريكية تنفق مليارات الدولارات على خدمات الذكاء الاصطناعي كخدمة ChatGPT وغيرها من الخدمات التابعة لها، بينما أنفقت DeepSeek الصينية أقل من هذه التكلفة بكثير، بل بعض الخبراء والمختصين يرون أنها لم تنفق أكثر من 1% لتطوير ونشر خدماتها مقارنة بما أنفقته الشركات الأمريكية كشركة نيفيديا على الخدمات نفسها!.
هذا الظهور المفاجئ لشركة صينية أغضب المستثمرين ما تسبب في موجة بيعية قوية على أسهم التكنولوجيا، فالشركة الصينية المنافس والوجه الجديد على الساحة تقدم خدمات مشابهة لكن بتكلفة أقل بكثير من نظيرتها الأمريكية، ما يعني أن الشركات الأمريكية قد تبدأ في التفاوض على الأسعار الباهظة التي تطلبها الشركات الأمريكية الأخرى التي تقدم خدمات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت المقارنة موجودة بينها وبين نظيرتها الصينية، وربما تكون المنافسة مستقبلا أكثر شراسة! وبالتالي فإن ذلك دفع المستثمر في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية لإعادة النظر في أسعار هذه الشركات، خاصة إذا اضطرت هذه الشركات إلى خفض سعر خدماتها وبالتالي تضرر إيراداتها.
وبعيدا عن المسببات فالسوق الأمريكية كانت بحاجة إلى عمليات جني أرباح وإن لم يكن متوقعا أن يتم بهذا الشكل والسرعة والمسبب، وختاماً ستبقى أزمة صناعة الذكاء الاصطناعي كتصنيع الرقائق واستيرادها وكل ما تحتاج إليه هذه الصناعة محل اهتمام عالمي يتزايد مع الوقت ولا ينقص، والله أعلم.