ولم اللحاق بالفائدة الأمريكية
ما أن يخفض الاحتياطي الفدرالي الأمريكي الفائدة حتى تتناقل الأخبار ذلك معقبة بوجوب لحاق البنوك المركزية الأخرى (المرتبطة عملاتها بالدولار) في تخفيض الفائدة.
ديناميكية النظام المالي الدولي تفرض استحالة الجمع بين ثلاثة أمور:1- ربط العملة 2- مع استقلالية السياسة النقدية 3- مع حرية تنقل الأموال دوليا. فإما أن يتمتع البنك المركزي باستقلالية مالية مع حرية تنقل الأموال شريطة تعويم العملة كبريطانيا و اليابان و نحوهما. أو إمكانية تمتع البنك المركزي باستقلالية مالية مع ربط عملته بعملة أخرى و لكن بوضع قيود على حركة الأموال كالصين. و الخيار الثالث هو أن تتمتع الدولة بحرية تنقل الأموال مع المحافظة على سياسة الربط على أن يتنازل البنك المركزي عن استقلالية السياسة النقدية كبعض دول الخليج.
ولكن ما هذه الديناميكية التي تفرض استحالة الجمع بين هذه الأمور الثلاثة.
ومبسطا للمسألة، فعندما تُخفض الفائدة الأمريكية و لا تُُخفض الفائدة على الريال يصبح الاستثمار في الودائع بالريال ذو عائد أعلى من الاستثمار في الودائع بالدولار، وعندها يحدث السيناريو التالي:
1- يسحب المستثمرون أموالهم من ودائع الدولار و يشترون بها الريال.
2- يزداد الطلب على الريال فتقوم مؤسسة النقد السعودي بتوفير الريال ( إصدار كميات جديدة) و بيعه لهولاء المستثمرين للمحافظة على سعر الصرف مع الدولار.
3- تدخر مؤسسة النقد هذه الدولارات التي قوضيت بالريال في الاحتياطي النقدي الأجنبي في صورة سندات بالدولار تدفع الفائدة الأمريكية المخفضة.
4- و بما أن الأموال تتحرك بحرية من وإلى السعودية، يقوم المستثمرون بإيداع الريالات السعودية في البنوك السعودية في ودائع بالريال السعودي تدفع الفائدة السعودية المرتفعة.
5- إذا لم تتدخل مؤسسة النقد، ستقوم البنوك بإقراض واستخدام هذه السيولة الجديدة، مما سيؤدي إلى زيادة المعروض النقدي، والذي سيؤدي إلى التضخم من ناحية و إلى تحكم السيولة الأجنبية في المعروض النقدي للريال السعودي من ناحية أخرى، و هذا ما لا يسمح به أي بنك مركزي أن يقع في سوقه المالية المحلية.
6- لذا، فمن أجل المحافظة على ثبات و استقرار توازن السوق المالية السعودية، تقوم مؤسسة النقد بسحب هذه الودائع ( السيولة) من البنوك عن طريق بيع سندات بالريال و التي تدفع الفائدة السعودية المرتفعة.
إذن فالحصيلة من عدم خفض الفائدة السعودية تبعا للفائدة الأمريكية مع المحافظة على سعر الصرف هو أن مؤسسة النقد ستدفع الفرق بين معدل الفائدتين. وسيستمر تدفق السيولة الأجنبية في شكل ودائع بالريال إلى إن تتوقف مؤسسة النقد عن التدخل في سعر صرف الريال و تسمح له بالارتفاع مقابل الدولار ( أي فك الارتباط) أو أن تمنع تدفق الأموال أي تقيد حرية تنقل المال أو تتبع السياسة النقدية للاحتياطي الأمريكي و تخفض الفائدة على الريال، فإتباع مؤسسة النقد السعودي لمعدل الفائدة الأمريكي هو من أجل إضاعة الفرصة على السيولة الأجنبية الغير إنتاجية الباحثة عن الربح في الفرق بين معدل الفائدتين.
الفائدة لها تأثير قوي و فعال على الاقتصاد الأمريكي ،و يتأثر بها غالب الشعب الأمريكي. فالبنوك هناك تتبع البنك المركزي عند تخفيض الفائدة فتُخفض تكاليف القروض و ليس الحال كذلك في السعودية، لا من حيث اعتماد الاستثمار المحلي على القروض و لا من حيث إتباع البنوك التجارية السعودية لمؤسسة النقد في تخفيض الفائدة على كلفة الإقراض.
و نخلص من ذلك بأن اللحاق بالفائدة الأمريكية هو الخيار الأمثل، حيث أن فك الارتباط بالدولار أو تقييد حركة الأموال له أثر سلبي قوي و سيئ في الوقت الحالي على الاقتصاد السعودي، إذن فالألوية مقدمة لهما على استقلالية معدل الفائدة.