إعلامية في قبضة الهيئة!
تداولت بعض المواقع الإلكترونية المعروفة بميولها المتطرفة بفرح غامر خلال الأيام الماضية خبراً يفيد أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألقت القبض على (إعلامية) تعمل بإحدى القنوات الفضائية في حالة خلوة غير شرعية بإحدى الشقق شرق العاصمة الرياض.
وبعيداً عن الجهود التي نقدرها لرجال الهيئة في محاربة الرذيلة و حراسة الفضيلة, وبعيداً أيضاً عن مدى صحة الخبر, لابد أن أوضح أنني وغيري من المتابعين للشأن المحلّي نستغرب أشد الاستغراب من المحاولات المستميتة لبعض المواقع الإلكترونية التي تصف ما تقدمه بـ "السبق الإخباري" في سبيل تصوير العلاقة بين العاملين في المجال الاعلامي والهيئة كعلاقة عدائية من الدرجة الأولى!
فلو كانت هذه السيدة التي قبض عليها معلمة أو طبيبة أوحتى موظفة بجمعية خيرية لما أشارت المصادر التي زودت هذه المواقع بالخبر إلى مهنتها من الأساس, لكن كونها إعلامية يعني في الذهنية المضطربة لهؤلاء أنها "صيد ثمين" لابد من إبرازه وصلبه في عناوين الأخبار الصفراء, ليبدو ذلك كعملية انتقام من مهنتها التي يصفها العالم المتحضر بالسلطة الرابعة لأهمية الدور الذي تلعبه.
إن المتابع المحايد يدرك جيداً أن العلاقة بين وسائل الإعلام وجميع الأجهزة الحكومية في هذا الوطن بما فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, هي علاقة تكاملية, ولولا الإعلام لما تعرف الناس على الجهود التي تبذلها هذه الأجهزة ولما تعرفوا أيضاً على مكامن القصور فيها.
أما أن يُنظر لأي جهاز حكومي بقدسية تجعل من انتقاده أو الإشارة إلى مكامن القصور فيه جريمة لا تغتفر, ويتطور الأمر إلى أن يتم تصوير العلاقة بينه وبين وسائل الإعلام كمعركة بين قوى الخير و قوى الشر, فهذا أمر ساذج وناتج عن قصور فكري وثقافي حاد .
يا سادة يا كرام يامن تتصفحون الصحف كل يوم وتتنقلون بين القنوات التلفزيونية والإذاعية وغيرها من وسائل الإعلام يجدر بكم أن تعلموا أن هذه الوسائل المتنوعة هي صوتكم أنتم, كما يجب أن تدركوا أن هذه الحملات المنظمة من خفافيش التطرف في شبكة الإنترنت هدفها خنق هذا الصوت, والترويج لأخبار ترمي إلى تصوير العلاقة بين الإعلام وحراس الفضيلة كعلاقة متوترة وعدائية لبث الشقاق بين أبناء هذا المجتمع والنيل منه وتحويله إلى ساحة قتال فكري يضرب مجتمعنا في عمقه, ولا أحتاج لأن أشير إلى كون الآثار المترتبة على هذا القتال لاتختلف أبداً عن تلك الآثار التي تركتها التفجيرات الإجرامية لخوارج هذا العصر في عاصمتنا الحبيبة.
إن لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دورها الكبير والأساسي في محاربة المنكرات وحراسة الفضيلة, كما أن لوسائل الإعلام أيضاً دورها الكبير والأساسي في نقل الأخبار والمعلومات وتوعية المجتمع, ولذلك لا ينبغي لأي عاقل أن يسلّم عقله لخفافيش الظلام لتعبث به, فلن يجني من ذلك إلا الخسارة.
ودعوني أوجه سؤالاً واحداً لهؤلاء المفسدين في العقول الذين يعيشون بيننا ويحاولون بكل ما أوتوا من خبث وسذاجة في آن واحد أن يضربوا مجتمعنا ببعضه: هل جرب أحدكم أن يصحوا من النوم صباحاً ويفتح نافذة منزله ليلقي نظرة على الوطن ويطمئن عليه؟! لا أعتقد أن الإجابة ستكون: نعم!