حكاية مواطن مضروب!

[email protected]

استغرب صديقي العزيز الذي عاد قبل أيام من مدينة أوروبية لا توجد في تقاطعات شوارعها إشارات مرورية ضوئية من كون جميع قائدي السيارات هناك يتوقفون بشكل آلي عند كل تقاطع لمدة نصف دقيقة أو أكثر ليتيحوا المجال لعبور غيرهم بطريقة منظمة جداً, ولأن هذا الصديق اليعربي لم يكن قد تعرف على تلك الآلية بعد وصوله مباشرة, فقد كاد أن يسجن ويحال للمحكمة لمخالفته النظام المروري المتبع هناك لكنه تجاوز المشكلة بسبب دماثة خلق شرطي المرور الذي اكتشف أنه سائح قادم من الصحاري العربية البعيدة, فأخذ يشرح له آلية النظام المتبع بابتسامة وود كبيرين.
وقبل أن يكمل صديقي حديثه الأثير عن مغامراته المرورية العالمية, تنحنحت واتكأت على "المركي" واستعنت بالله قبل أن أروي له حكاية قرأتها أخيراً في إحدى صحفنا المحلية عن مواطن مستهتر قطع إحدى الإشارات المرورية معرضاً حياته وحياة غيره للخطر, فكانت عقوبته أن تلقى الركلات والصفعات المتتالية ومن دون رحمة من رجلي المرور اللذين قبضا عليه متلبساً بجريمته الشنعاء!
كادت عينا صديقي تخرجان من رأسه كطلقتين ناريتين باتجاهي أثناء سماعه الحكاية, لكنه ما لبث أن هدأ مشككاً في صدقها ومتهماً إياي بالسخرية به, وعندما أقسمت له بأن هذا ما قرأته أخذ يستغفر الله وينصحني بعدم الحلف كذباً، مشيراً إلى أنه يجب علي أداء كفارة اليمين وعدم العودة لمثل هذا الأمر خصوصاً في هذا الشهر الكريم!
ولا أخفيكم أنني اضطررت لترك "مركاي" والبحث عن عدد الصحيفة التي نشرت الخبر, وكادت فرحتي عندما وجدته تفوق فرحة أرخميدس الذي خرج من الحمام إلى الشارع عارياً بعد أن اكتشف قانونه الشهير مردداً "أوريكا.. أوريكا" أي "وجدتها وجدتها"! قرأ صديقي الخبر الذي كان يشير إلى أن شرطة العاصمة المقدسة فتحت التحقيق في قضية تعدي رجلي مرور على مواطن واشتباكهما معه في "مضاربة" عقب قطعه إشارة مرور في حي المسفلة في مكة المكرمة, نقل على أثرها هذا المسكين إلى مستشفى الملك فيصل في الششة لتلقي العلاج, فحمد صاحبي الله كثيراً على أنه لم يكن مكان ذلك المواطن المنكوب, لكنه ما لبث أن أخذ يستفسر منّي عن لائحة النظام المروري الجديدة التي سمع عنها, معللاً ذلك بأنه لربما كانت عقوبة الضرب والركل والصفع لقاطع الإشارة إحدى العقوبات الجديدة الواردة في النظام, ولأنني قررت الانتقام منه على موقفه السابق المكذب لي الذي جعلني أقفز من مكاني لا ألوي على شيء للبحث عن الصحيفة فقد أخبرته بأن لائحة العقوبات المرورية لا تتضمن مثل هذه العقوبة الظالمة ولله الحمد وما المعركة التي راح ضحيتها صاحبنا قاطع الإشارة إلا مجرد تصرف فردي طائش, لكنني زففت له خبر ارتفاع رسوم تجديد رخصة القيادة من 75 ريالا إلى 400 ريال دون أي إعلان مسبق بقصد تعكير مزاجه, فما كان منه إلا أن كرر حركة عينيه السابقة متهماً إياي بالكذب علانية مرة أخرى, مما دعاني إلى أن أهم بالقسم دون تردد ليقاطعني بنفس نصيحته السابقة, لكنني لم أحرص هذه المرة على مفارقة "المركي" للبحث عن عدد الصحيفة التي نشرت تصريحات مدير عام المرور بخصوص هذا الأمر. فقط تساءلت في نفسي إن كانت رخصة القيادة الخاصة بالمواطن المسكين الذي تعرض للضرب بـ 75 ريالا أم أنها من طائفة الـ 400 ريال؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي