مدمن المخدرات .. هل هو مريض أم مجرم؟ (1 من 2)

إجابة هذا السؤال تُعد وبحق مفصلية في توجيه الجهود نحو التعامل مع ظاهرة تعاطي المخدرات المتصاعدة في المجتمع، فبناءً عليها فإن كثيراً من السياسات والاستراتيجيات العامة والخاصة المتعلقة بالتعامل مع مدمن المخدرات سيتغير أو يُبنى من العدم. ولأنني من المؤمنين بأن مدمن المخدرات مريض مثله مثل مريض السرطان أو مريض الفصام، فإن استعراضي آلية التعامل معه سيبنى على هذا الأساس. ومنطلق هذا الرأي ليس عاطفياً أو شخصياً بحتاً، ولكن هذا ما أثبتته الأبحاث الطبية المنشورة، التي ذهب بعضها إلى حد ربط ظاهرة الإدمان بالاستعداد الجيني لدى بعض الأشخاص للإدمان. ولنبدأ من المنزل، فعندما يكون أحد أفراد العائلة مدمناً فإنه يجب على كل من في المنزل أن يحيطه بالعناية والرعاية تماماً كما نحيط المريض، ونرفع معنوياته، ونظهر له اهتمامنا بمرضه وأننا جميعاً نسانده في مصابه، مع أخذ جميع الوسائل اللازمة لعلاجه من مرضه في الحسبان. ومن أهم مظاهر هذه الاهتمامات، عدم الخجل من كون أحد أفراد العائلة مدمناً، فهذا المرض من الممكن أن يصيب أي أحد دون استثناء من جنس أو سن، أو مستوى مادي، ويجب العمل على احتوائه وعدم السماح للمريض بالانعزال عن محيطه السليم، لأن البديل هو ارتماؤه في أحضان المتاجرين بمرضه. ومن المهم أيضا عدم إحساس المريض بأنه جالبُ عارٍ على العائلة. وما يميز مرض إدمان المخدرات هو أنه مرض غير مستعصٍ على العلاج ويمكن التعافي منه إذا اتبع الأسلوب العلاجي المنزلي والطبي الأمثل، إلا أنه من الصعب أيضاً على الشخص أن يقلع عن الإدمان اعتماداً عليه وحده، نظراً للعملية الحيوية المعقدة التي تحدث للمدمن جراء استخدامه الطويل مادة الإدمان. إن الحديث المفتوح عن المشكلة بين أفراد العائلة وتحديد نوع هذا الإدمان هما أولى خطوات العلاج تمهيداً لإشراك اختصاصيي الإدمان النفسي والإكلينيكي، حيث أثبتت الأبحاث الطبية في مجال الإدمان أن الجمع بين أسلوبي العلاج السلوكي والإكلينيكي الدوائي هو الأنجع لعلاج هذا المرض. كما أن من المتعارف عليه طول برامج علاج الإدمان، وعلى الرغم من تفاوت الأشخاص في زمن الاستجابة، إلا أن بعض الأبحاث جعلت مدة عام هي المتوسط للبرنامج العلاجي. إن عدم نجاح البرنامج العلاجي يجب ألا يدفعنا لليأس وأن نلقي اللوم على المريض وبالتالي يهمل، لأنه وببساطة فكما لا يوجد مريض لا يرجو الشفاء، لا يوجد مدمن مخدرات لا يود التعافي من مرضه. كما أنه لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع في علاج بعض الأمراض، فإن المعالج قد يضطر إلى تغيير البرنامج العلاجي للمدمن، ولعلي اُذكّر هنا بأن مراكز معالجة الإدمان المتطورة أعادت الكثير من مدمني المخدرات في هوليوود إلى حياتهم الطبيعية رغم إدمانهم أشد أنواع المواد المخدرة خطورة.
إن اكتشاف مريض الإدمان داخل المنزل يستدعي تضافر جهود جميع الراشدين في العائلة، خصوصاً الأب والأم والإخوة والأخوات، ليبدأ الجميع بوضع خطة عمل للخروج ببرنامج للتعامل مع هذه المشكلة، تحدد فيه أدوارهم بدقة مع الاستعانة بخبرات الآخرين في التعامل مع المرض، خصوصاً مراكز مكافحة الإدمان الطبية. ومن الإجراءات المفيدة في هذا الجانب القراءة المكثفة عن الحالة حسب نوع الإدمان وإطلاع المريض على الأبحاث وتجارب الآخرين في التخلص من هذا المرض، وأعلم صعوبة ذلك لدى القارئ العربي نظراً لعدم وجود تنظيم ميسر لمحتوى الإنترنت باللغة العربية في التعامل مع هذه المعضلة، كما هو متوافر لدى القارئ بالإنجليزية، وهذا ما يدفع نحو تبني إنشاء مثل هذه المواقع من قبل مراكز الأبحاث أو مؤسسات العمل الخيري. كما أتمنى أن يتبنى أحد المقتدرين تمويل كرسي بحث يتعلق بأبحاث الإدمان في المملكة بأنواعه كافة (التدخين والمشروبات الكحولية والمخدرات)، نظراً لأن ظروفنا البيئية كضغوط العمل، والمسؤوليات الاجتماعية، والفراغ إضافة إلى احتمالية استعدادنا الجيني تلعب دوراً أساسياً في عمليات الإدمان هذه.

* دكتوراة في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي