"تحلية المياه" قضية أمن وطني!

[email protected]

هل نحن مقبلون على سنوات طويلة من العطش والجفاف؟ هذا ما يتردد في أذهان الكثير من الناس نتيجة لحالة الشح الشديد في مياه الشرب التي ظهرت في الكثير من مدن المملكة خلال أشهر الصيف ومازالت مستمرة في بعض المدن, حتى أن هناك مناطق وصلت أسعار ناقلات الماء (الوايتات) فيها إلى أرقام مرتفعة جداً وغير منطقية, هذا طبعاً في حال تمكن الشخص من الحصول عليها بعد أن يقف في طوابير طويلة من طلوع الفجر وحتى ساعة متأخرة من مساء اليوم نفسه أو صباح اليوم التالي, وهو أمر يبين بشكل جلي عن عدم وجود استرتيجية ناجحة في سياسة توفير المياه وضمان عدم انقطاعها عن البلاد والعباد في هذا الوطن.
يحكي لي أحد الأصدقاء الذي عاش هو وأبوه وجده في قرية بعيدة عن المدن لسنوات طويلة خلت أنهم ومثلهم الكثير من الناس المقيمين في القرى والمناطق التي لم تصلها أنابيب تحلية المياه كانوا ومازالوا يعتمدون على الآبار في توفير احتياجاتهم من الماء لكنهم قرروا هجر قراهم والتوجه إلى المدن بعد أن نضبت هذه الآبار تماماً وجفت مزارعهم ولم يعد باستطاعتهم البقاء في مثل تلك الأوضاع أكثر من ذلك, وقد ضرب هذا الصديق أمثلة لقرى متفرقة في المنطقة الجنوبية من المملكة أصبحت مهجورة بالكامل إلا من بعض أهليها الذين يزورونها في فترة الصيف من كل عام .. كما أن بعض القرى لم يتبق بها إلا أشخاص يمكن عدهم على أصابع اليدين!
إن من أكبر الكوارث التي قد تصيب أي دولة في العالم كارثة شح المياه, وهي أشد وطئاً من الحروب والزلازل فأثرها يطال كل شيء على سطح الأرض بلا استثناء.
ولا أخفيكم أنني أتساءل دوماً عن جدوى الحملات الإعلانية التي تدعو الناس إلى ترشيد المياه في ظل عدم قدرة وزارة المياه على توفيرها لعدد كبير من المواطنين وهو أمر مشابه لمطالبة المصاب بالنحافة الشديده الناتجة عن سوء التغذية باتباع حمية لتخفيف الوزن!
إننا أمام قضية أمن وطني يا سادة.. ويجب النظر لها بعين الاعتبار واستشعار المسؤولية تجاهها فلا ترشيد استخدام المياه سيحل المشكلة في ظل تزايد عدد السكان حتى لو التزم به جميع سكان هذا البلد من مواطنين ومقيمين, ولا المسكنّات التي تقدمها بعض التصاريح الصحافية لبعض مسؤولي وزارة المياة قادرة على تطمين الناس واشعارهم بالأمان.
إن وطننا ولله الحمد يطل على الماء الذي لن ينضب من جهتين وعندما أقيم أول مشروع لتحلية مياه البحر كان عدد سكان المملكة لا يصل إلى نصف عدد سكانها اليوم, ومن المفترض أن يتزامن ازدياد عدد السكان مع التوسع الدائم في محطات تحلية المياه وإنشاء المحطات الجديدة.
يجب أن يؤمن المسؤولون في وزارة المياه إيماناً تاماً بأن القضية قضية أمن وطني ولا تقل أهميتها عن أهمية وجود جيش مسلح بأفضل الأسلحة والمعدات للدفاع عن الوطن, ولا تقل أهميتها أيضاً عن أهمية وجود قوات لحفظ الأمن الداخلي في البلد, وهذه مسألة تحتم ايجاد استراتيجية وطنية حقيقية لضمان توافر المياه لمواطني اليوم وللأجيال القادمة عن طريق التوسع في تحلية مياه البحر مهما كلف الأمر, خصوصاً إذا علمنا أن ما تم استهلاكه من المياه الجوفية خلال الـ 20 سنة الماضية أدى إلى انخفاض شديد جداً في منسوبها, وهو أمر مفزع بحق لو تم النظر لنتائجه على المدى الطويل في حالة عدم توفير البديل القادرعلى تغطية احتياج الناس من المياه للسنوات القادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي