الحماية الدولية للاجئين في المنطقة العربية والآثار الاقتصادية
لقد أصبحت قضية حماية حقوق اللاجئين من أهم القضايا التي توليها الدول والمنظمات الدولية وهيئات وجمعيات حقوق الإنسان اهتماماً خاصاً في الوقت الحاضر، وذلك بالنظر إلى أبعادها وتداعياتها المختلفة من النواحي القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية؛ فضلاً عن أن هذه القضية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضايا حقوق الإنسان، التي أضحت من أهم ما يشغل الأفراد والدول، بل إن قضايا حقوق الإنسان أصبحت وسيلة من وسائل التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهي تتعلق أيضاً بمبدأ مهم بالنسبة للدولة وهو مبدأ السيادة؛ الذي يتفرع عنه مبدأ آخر ذو أهمية خاصة فيما يتعلق بوضع اللاجئين في الدولة المضيفة لهم وهو مبدأ حرية الدولة في تنظيم مركز الأجانب.
ومن المعلوم أن المنطقة العربية شهدت في القرن الـ 20 والعقد الأول من القرن الـ 21 الميلادي العديد من الحروب التي كان لها آثار سلبية على عمليات اللجوء؛ حيث تمخضت عن هجرة الملايين من الأفراد طالبين اللجوء إلى دول أخرى بعيداً عن أماكن النزاع ليتحقق لهم فيها الأمن على أنفسهم وأموالهم.
لهذا فإن وجود اللاجئين في إقليم الدولة المضيفة لهم يترتب عليه العديد من الانعكاسات أو المخاوف الأمنية، وهي في مجملها تمثل ردة الفعل التي يُمكن أن تدفع هذه الدولة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الاحتياطية في مواجهة عمليات اللجوء، إما بالامتناع أصلاً عن قبول اللاجئين على إقليمها أو بتحديد أعدادهم أو بوضع استراتيجيات لمواجهة الآثار السلبية التي يُمكن أن تترتب على وجودهم لديها؛ بالنظر إلى أن وجودهم يشكل نوعاً من التهديد للأمن الداخلي والخارجي، أي أنه يشكل نوعاً من الأزمات الأمنية أو الحالات الطارئة التي تتطلب وضع وتنفيذ استراتيجيات أمنية لمواجهتها.
فهناك العديد من المخاوف الاقتصادية من وجود اللاجئين في دولة الملجأ تتمثل في سوء الحالة الاقتصادية لهم إما بسبب فرارهم من الأسر أو بسبب ظروف الحرب، الأمر الذي يفرض على دولة الملجأ أعباء اقتصادية؛ حيث تضطلع بتأمين جميع احتياجاتهم الضرورية، والسماح لهم بالعمل أو بإنشاء مشاريع تجارية أو استثمارية في حال توافر مصادر مالية لديهم. فعلى سبيل المثال قامت المملكة بتخصيص مخيم رفحاء للاجئين العراقيين؛ إذ بلغت تكاليفه ثلاثة مليارات ريال سعودي، وبلغ ما يُصرف على اللاجئ في السنة 22 ألف ريال، وقامت بتوفير جميع الاحتياجات الضرورية لهم بمنحهم الإعانات المالية والعينية، التي تمثلت في توفير الإسكان المؤثث مجاناً، مع توفير جميع الخدمات المساندة كالماء والكهرباء مجاناً، وتخصيص مصروف جيب لكل لاجئ لتأمين المستلزمات الفردية، وصرف بدل ملابس نقدي بمعدل 1500 ريال للرجل وألفي ريال للمرأة وألف ريال للطفل، وتوفير الإعاشة العينية مجاناً وتشمل جميع المواد الغذائية والخضروات والفواكه، وإيجاد وظائف لبعضهم للعمل داخل المخيم مقابل رواتب مجزية، وتأمين الخدمات الصحية مجاناً، وتحمل تكاليف مغادرة اللاجئين إلى دولة إعادة التوطن، وتحمل تكاليف حملات الحج والعمرة لهم مجاناً، وتوفير الخدمات الترفيهية والتثقيفية لهم من ملاعب وإذاعة محلية ومكتبة وأدوات رياضية وغيرها، كما تم إنشاء محكمة داخل المخيم للفصل في القضايا التي تنشأ بينهم.
وهناك آثار اقتصادية أخرى تترتب على دولة الملجأ تتمثل في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وازدياد معدلات التضخم، وارتفاع أسعار العقارات، وارتفاع القيمة الإيجارية للمساكن. والدليل على ذلك ما حدث في بعض الدول العربية مثل الأردن، مصر، وسورية بعد استقبالهم للاجئين في السنوات الأخيرة.
أما المخاوف الأمنية فتتمثل في انتشار أنواع معينة من الجرائم في مجتمعات اللاجئين، مثل تعاطي المخدرات والسرقات والجرائم الجنسية. فتؤكد التقارير الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن العنف وغيره من أشكال السلوك المنحرف والإجرامي من الخصائص الحتمية لمجتمعات إيواء اللاجئين التي تقوم بإيواء أعداد كبيرة من الشباب المحروم من فرص الانشغال بأنشطة إنتاجية، إضافة إلى عدم استطاعتهم التخطيط للمستقبل (المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، 1997، ص 73). وتشير تلك التقارير أيضاً إلى وجود بعض حالات الانتحار بين اللاجئين.
ويمكن أن نميز بين نوعين من الجرائم:النوع الأول: يشمل الجرائم التي يرتكبها اللاجئون؛ والنوع الثاني: الجرائم التي تقع على اللاجئين، أي تلك التي يكونون هم المجني عليهم فيها.
كما أن وجود بعض اللاجئين دون إقامة شرعية يشكل في حد ذاته مخالفة لقوانين ونظم الإقامة في الدولة المضيفة، ويترتب عليه عدم منحهم إذن بالعمل وعدم تسجيل أولادهم في المدارس وعدم تمتعهم بالخدمات الصحية.
لهذا فإنه نتيجة هذه المخاوف الأمنية يرفض العديد من الدول إيواء أعداد كبيرة من اللاجئين، نظراً لأنهم يشكلون تهديداً خطيراً للاستقرار الأمني لدولة الملجأ. وقد يكون لوجودهم تأثير سلبي في البيئة كما هو الحال في التنافس الذي يحدث على الموارد الطبيعية، مثل خشب التدفئة، مواد البناء، المياه العذبة، والأطعمة البرية، وهذه تعد من أهم المخاوف البيئية المباشرة التي يسببها اللاجئون، وهذا من شأنه أن يغير معدل ومدى الخدمات المحلية المتوافرة حاضراً ومستقبلاً.
وللتعامل مع تلك المخاوف البيئية أرى أن التوعية تلعب دوراً مهما في هذا المجال؛ حيث إنه من المتوقع أن يشعر اللاجئون بأهمية المحافظة على البيئة، ومن ثم يضعون الاعتبارات البيئية في مكانة متقدمة للمحافظة على أمنهم ورفاهيتهم.
وأرى أيضاً ضرورة اهتمام الفكر القانوني والاقتصادي والأمني بقضايا اللجوء في ظل التصاعد الملحوظ للتجاوزات والاعتداءات على الدول والأفراد، وما يشكله ذلك من انتهاك صارخ لحقوقهم، وما يترتب على وجودهم من آثار أو مخاوف اقتصادية وأمنية واجتماعية متعددة.
وفي مقال لاحق سأتناول كيفية التعامل مع تلك المخاوف الاقتصادية والأمنية، مع ضمان حماية لحقوق اللاجئين.