"أتعلمين أي حزن يبعث المطر"!

[email protected]

ظللت لسنوات طويلة أردد رائعة بدر شاكر السياب (أنشودة المطر) دون أن يخفت إعجابي بها, بل إنني ولشدة محبتي لها تعايشت مع كلماتها وصورها الإبداعية بشكل يعجز عنه الوصف, لكنني اكتشفت خلال الأيام القليلة الماضية ونتيجة لمتابعتي لأخبار الأمطار التي هطلت على كثير من قرى ومدن المملكة أن مطلع هذه الرائعة لا يعدو كونه فلم رعب في أفضل الحالات وهذا ما جعلني أعود إليها مذهولاً مستخدماً القلم الأحمر لتحديد الكلمات التي تكشف عن كمية الرعب والفجيعة فيها, خصوصاً عند المقطع القائل (وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع..بلا انتهاء كالدم المراق كالجياع..), طبعاً لايمكنني أن أصف لكم مدى تعبير هذا المقطع عن مشهد تشييع أهالي عفيف جثمان الطفلة التي فقدت أخيرا جراء الأمطار التي شهدتها المحافظة وقراها ليتم العثورعليها لاحقاً مطمورة في أحد مجاري السيول القريبة من منطقة فقدانها.
وحزن الشاعر (السياب) الذي بعثه المطر, لايمكن أن يكون أكثر من حزن 1130 شخصاً تم ابعادهم عن منازلهم في القصيم بسبب خطورة سيول الأمطار التي ضربت شوارع مدنهم وقراهم محولة إياها إلى أودية, كما لا يمكن أن يكون أكثر من حزن رئيس مركز البعجاء في عقلة الصقور الذي تم احتجازه من يوم الأربعاء الماضي حتي مساء الجمعة في مقر المركز بسبب عدم قدرة فرق الأنقاذ على قطع وادي جرير الذي كان ممتلئاً بمياه السيول!
ولأن الأحزان التي بعثتها الأمطار في مختلف مدن وقرى المملكة أكثر من أن تحصى, ولأنني شعرت بأني كنت ضحية لسوء فهم حاد للقصيدة إياها, فقد قررت أن أكتب رسالة موجهة إلى الشاعر، رحمه الله، أعبر بها عن خيبة أملي الناتجة عن عدم قدرتي طوال السنوات الماضية على فك رموز قصيدته المأساوية, فجاءت كالتالي:
" سعادة الأخ الشاعر بدر شاكر السياب .. رحمه الله
تحية بائسة وبعد..
أكتب لك هذه الرسالة وأنا أعلم أنك لست بحال جيدة تحت سطح الأرض, لكن ومع هذا يهمني أن أخبرك بأنه يجدر بك أن تشكر الله عز وجل الذي شاء أن تُدفن في مكان بعيد عن مدننا التي عبثت بها الأمطار وأغرقت شوارعها بما فيها, ولا تسألني أرجوك عن نوعية هذه الأمطارالتي أعلم جيداً أنك تتوقع أن آثارها مشابهة للفيضانات التي خلفها إعصار (تسونامي) وهو بالمناسبة توقع خاطئ!
أتعلم يا أبا شاكر أن هناك مدناً في هذا العالم لا تنقطع عنها الأمطار طوال السنة إلا في أوقات قليلة ومع ذلك لا يحدث فيها أي مأساة من المآسي التي حدثت عندنا, إضافة إلى أنه من غير الممكن أن يصدق أحد من سكانها أن الأمطار بإمكانها أن تبعث الحزن والموت والدم المراق كما تقول قصيدتك المخادعة التي مررتها على الناس دون انتباه منهم؟!
صدقني يا عزيزي أنني لم أكن لأتصور يوماً أن الشوارع المقابلة لمنازلنا قد تتحول بقدرة قادر إلى بحيرات تسبح فيها السيارات لولا أنني شاهدت ذلك بعيني, لكن هل تعلم ما هو الأكثر غرابة من ذلك يا سيد سيّاب؟!
لا تفكر كثيراً في الإجابة, فسأجيبك لأنني وبكل صراحة لم أكتب هذه الرسالة لأتلقى رداً من ميت مع كامل احترامي لك.. الإجابة ياعزيزي هي أن هناك الملايين من الريالات صُرفت على مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول في أغلب مدننا, فهل خدعتنا شركات المقاولات التي نفذتها, أم انتهت صلاحيتها, أم أن هناك خللاً كبيراً في التخطيط أم ماذا؟
قلت لك لا تجب يا أخي ..أرجوك.. أعلم أن وضعاً كهذا قادر على انطاق الموتى لكنني لست مستعداً لتلقي إجاباتك المشبوهة ونقلها للآخرين .. تحياتي!"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي