ديناميكية سوق دبي المالية
يوما بعد آخر تثبت سوق دبي المالية تميزها عن باقي أسواق المال العربية بمقدرتها على التكيف مع متطلبات العصر ومسايرة الواقع من خلال قرارات مصيرية ذات نزعة عالمية تدفع نحو التطور والارتقاء بمستوى الأداء والتنظيم في آن واحد. سوق دبي المالية ليست السوق الأكبر على مستوى العالم العربي ولكنها الأكثر قدرة على التطوير وسن القوانين وتنفيذها والتكيف مع المتطلبات العالمية وتطلعات المستثمرين المحليين والأجانب.
جذب الاستثمارات المالية للبورصات المحلية يحتاج إلى جهد وعمل مميزين يساعدان على خلق مناخ استثماري فائق الوضوح ومحدد الوجهة ضمن بيئة استثمارية فتية لا تمل التجديد ولا يعيها البحث عن كل ما من شأنه التطوير والارتقاء بالأداء وترسيخ قوانين الأسواق العالمية للوصول إلى التوأمة المنشودة في أسواق المال العالمية.
حجم سوق دبي المالية لم يحل دون إصدار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، قرارا يقضي بطرح 20 في المائة من سوق دبي المالية للاكتتاب العام لتكون بذلك أول سوق عربية للأوراق المالية تتحول إلى شركة مساهمة عامة. القرار يحمل في مضامينه الكثير من المعاني التي يستدعي الوقوف عليها خلافا لمضمونه التنظيمي الرئيس. القرار لم يصادر حق الشركات المساهمة والوسطاء في السوق بل ثمن لهم دورهم البارز في تنمية السوق المالية لذا خصص لهم 20 في المائة من الأسهم المطروحة للاكتتاب. كما أنه خصص 25 في المائة لموظفي حكومة إمارة دبي التي ينسب لها الفضل - بعد الله سبحانه وتعالى، في ذلك التطور الكبير الذي تشهده الإمارة، وخصص 55 في المائة للاكتتاب العام لجميع الجنسيات. المشاركة في الملكية تحقق الانتماء وتخلق النجاح وتؤسس بيئة للتكافل والتكامل الاقتصادي والاجتماعي.
هناك الكثير من القرارات التي تصدر عن سوق دبي المالية على المستويين التنظيمي والرقابي تعكس حرص الإمارة الصغيرة على أن تخلق لها سوقا عالمية يصعب منافستها في المدى القريب. صغر حجم السوق النسبي لم يمنع سلطات السوق من تطويره وتأهيله التأهيل الأمثل من أجل إدراج الشركات العالمية ومحاولة ربطه بالبورصات الخارجية. سوق دبي المالية، إضافة إلى نشاطها القوي كسوق أولية وثانوية لطرح وتداول الأوراق المالية التقليدية، ربما أصبحت السوق الإسلامية المتخصصة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، التي يمكن الاعتماد عليها في طرح وتداول الأوراق المالية الإسلامية، وهي بذلك تقطع الطريق أمام البورصات العربية الأخرى التي يفترض أن تكون لها الريادة في هذا التخصص بالذات. ديناميكية الحركة وسرعة اتخاذ القرارات المبنية على احتياجات السوق هما اللتان تميزان سوق دبي المالية وهما اللتان توفران لها أدوات المنافسة القوية التي لا يمكن مجابهتها بسهولة، ولعلها تقدم لأسواق المنطقة دراسات مجانية في استغلال الفرص وتحقيق الأهداف غير التقليدية من أجل حماية السوق المالية أولا ثم من أجل جعلها هدفا للاستثمارات الأجنبية الضخمة التي باتت بالفعل ترى في سوق دبي المالية ما لا تراه في الأسواق المالية الأخرى من فرص ومزايا تنظيمية ورقابية.
الأسواق المالية تتعامل مع استثمارات مالية ضخمة تتصف بالحساسية والحذر ما يجعل المستثمرين يبحثون عن أفضل الأسواق المالية جاذبية من حيث الأداء والتنظيم والمنهج لحماية استثماراتهم من المخاطر المتوقعة، وهم في مقابل ذلك يحققون للأسواق المالية الحاضنة نموا في التداول والإدراج وفي الأرباح المحققة، كما أنهم يحققون في الوقت نفسه نموا للاقتصاد الوطني. المصالح المتبادلة هي التي تفرض على كل طرف تبني رغبة الطرف الآخر من أجل تحقيق المنفعة العامة. إعداد الدراسات ومعرفة طرق النجاح لا يمكن أن تحققا الريادة ما لم تقرنا بديناميكية اتخاذ القرار وتنفيذه، كما أن فرص النجاح والريادة متاحة للجميع، وهناك دائما طلب شديد على الأسواق المالية المتميزة، والكاسب الوحيد هو الذي يستطيع اقتناص الفرص قبل الآخرين ثم يبدع في تسويقها للعالم بأسره. القمة يمكن شغلها بمجموعة من المتميزين ولكنها قطعا لا تقبل أبدا بغير المتميزين.