الإغراء بالأرباح العالية علامة تحذير وليس تشجيعا

في شكل عام، تقول القاعدة الاقتصادية إن أموال الاستثمار وأموال التوفير تتحرك كالسوائل ولكن بشكل معاكس، فهي تنساب من المنخفض ربحا إلى الأعلى ربحا، فمستوى الربح هو الذي يوجه حركة الأموال، إلا أن القاعدة الاقتصادية تقضي كذلك بأن يكون مستوى الأرباح دائما متقاربا ضمن الحدود المتعارف عليها بين الشركات والأعمال، وهذا شبه واقع في عالم الاقتصاد.
وإذا لاحظنا في الفترة الأخيرة نرى أنه انتشرت المساهمات المالية أو مشاريع المعجزة كما اسميها وهي التي تقدم للراغبين أرباحا كبيرة ومغرية، تصل في كثير من الأحيان إلى مستوى أعلى مما تقدمه المشاريع التجارية المتعارف عليها مثل الصناعة، الزراعة، والمقاولات، ويهرب منها رجال الأعمال بينما يقدم على هذه المشاريع ذات الأرباح المغرية صغار المستثمرين، لما فيها من إغراء غير معقول، فنجد أن الإعلان في جريدة عن مشروع يتعهد بصافي أرباح تزيد على 35 في المائة سنوياً مع ضمان كامل لرأس المال، مع تطمينات أخرى كثيرة كأن يكون تحت إشراف شركة عالمية، أو أن القائمين بالمشروع هم من كبار رجال الأعمال؟ وأن مشاركتهم والعمل معهم هي أرباح إضافية للمساهمين أو المشاركين في المشروع, فهل هذه الإعلانات أو العروض والمشاريع صادقة فيما تعد به؟
قامت دراسة حول هذه الشركات الكبيرة التي ظهرت فجأة ولمعت ثم اختفت، أو انهارت انهيارا أثر على المئات من المستثمرين، وأفقدتهم أموالهم واستثماراتهم التي كانوا يطمعون في رؤيتها تتضاعف، فإذا بها تختفي ويختفي أصحابها في السجون حتى احتضن سجن جدة 21 مليار ريال من كبار المساهمين.
تقول الدراسة: إن القائمين على هذه المشاريع يعتمدون على نظرية في علم النفس والاقتصاد، وهي أن المال وحب تملكه غريزة موجودة عند كل الناس، لذا فإن الإعلان عن وجود وسيلة لتنمية المال القليل ليصبح كثيرا وبسرعة وبأمان، هي عوامل تشد صاحب المال إلى الالتفات إليها، والتفكير فيها، وهذا بذاته يكفي لإقناعه بأن هناك فرصة عظيمة لتنمية ماله بسرعة أفضل من حاله الحالي، لذا فإن الرحيل إلى هذه الوسيلة هي مغامرة أفضل من مغامرته الحالية القليلة العائد في ظنه أن كليهما مغامرة.
في هذه الدراسة الاقتصادية، وجد الباحثون أن شركات جمع الأموال تظهر عندما تكون السوق المالية سيئة والأرباح منخفضة، فتأتي في الوقت المناسب الذي يكون صاحب المال يبحث عن وسيلة أفضل لتنمية ماله بدلا من القنوات المالية المتوافرة، التي لا تعطي العائد المشجع له على الاستمرار فيها، فعندما تقدم مثل هذه العروض فإنها تلقى القبول النفسي لدى المستثمر الغاضب، خاصة إذا صاحبها إعلان مميز وحملة تشجيع على المشاركة، مع تطمين على سلامة الشركة والمال.
وتظهر الدراسة أيضا أن أكثر من 90 في المائة من هذه الشركات أو المشاريع مشاريع غير نظيفة ماليا أو غير نظيفة تجاريا، فهي غالبا ما تكون تعمل مستفيدة من وجود خلل في نظام معين، أو تعمل على الاستفادة من ثغرة قانونية مؤقتة نتيجة لعدم اكتمال الأنظمة مثل نظام المساهمات العقارية، وهي غالبا ما تقفل سريعا نتيجة لحجج واهمة، مما يبرر فشلها، ويبرر الاعتذار عن عدم عودة المال لأصحابه، لأن المشروع من أساسه كان قائما على الاحتيال للذين أثبت النظام سوء النية لديهم من خلال الاستفادة من ثغرات نظامية أو قانونية، أو قائما على علاقات شخصية تتهاوى حال انكشاف أمرها أو حدوث أي تغير في الأفراد.
وتقول الدراسة إن أكثر هذه الشركات والمشاريع انتهت إلى نهايات سيئة إما بتجريم أصحابها وإما هروبهم بأموال المساهمين والمشاركين، مثل مساهمات سوا.
إن النظرية الاقتصادية تقول كلما كبر الربح كبر الخطر على ضياع المال، والمغامرة لها ثمن، فقد يكون هذا الثمن ربحا إضافيا ومكاسب كبيرة، وقد يكون ضياع المال واندثاره.
وهذه نظرية اقتصادية حقيقة، وهي تمثل الواقع، فإن بعض المؤسسات المالية تحقق أرباحا كبيرة، وقد تكون هذه الأرباح شرعية، ولكن هذه الأموال مرت في قنوات ومسالك خطرة كانت ستؤدي إلى ضياعها، فمن المعروف أن الإقراض للشركات يتم وفق قدرتها المالية على السداد وموقفها المالي بشكل عام، وعندما تكون الشركة في حالة مهزوزة، فان إقراضها يعتبر مغامرة، لذا فإن المقرض يطلب تعويضا عن مغامرته أرباحا أكبر، وهذا يزيد في سوء الوضع لدى الجهة المقترضة، وقد يؤدي إلى إفلاسها أيضا وضياع القرض إذا لم يتحقق الوفاء بالربح الكبير، بل إن أكثر المؤسسات المالية التي تحقق أرباحا غير عادية مقارنة بمستوى السوق، غالبا ما تكون تعمل في هذه الحقول الملغومة، التي تحقق الأرباح الكبيرة.
لذا فإن النصيحة التي يرددها جميع الخبراء الاقتصاديين بأن إغراء الأرباح الكبيرة يجب أن يكون علامة تحذير وليس علامة تشجيع للمشاركة، وينصحون أصحاب الأموال القليلة عدم الدخول في هذه المشاريع لما فيها من مغامرة قد تودي بكل مدخراتهم، وإن كانت هناك رغبة ملحة فإن المشاركة يجب أن تكون ببعض المال لا بجميعه، ويجب ترك هذه المغامرات للقادرين على تحمل نتائجها السلبية فيما لو حدثت، وهي كثيرا ما تحدث.
ختاما تصريح مفوض وزارة الداخلية يوم الإثنين في جريدة "عكاظ" بأن ليس هناك إثبات شرعي لمسؤولية الجهني صاحب أول مساهمات سواء فيه كثير من الغموض أو لنقل السلام على الأنظمة إذا لم تحم صغار المساهمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي