تقصير الأجهزة الأخرى جعل مهمة الهيئة أكثر صعوبة
<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>
خلال الشهرين الماضيين تزايدت حدة المضاربات في سوق الأسهم السعودية بشكل كبير، وبالمستوى الذي أغلق به المؤشر السبت يكون قد ارتفع منذ بداية العام بحوالي 3922 نقطة أو بنسبة 23.5 في المائة. ولا يحتاج المراقب للكثير ليدرك أن سوق الأسهم السعودية تعاني من مضاربات مبالغ فيها، وأن المستويات التي وصلت إليها أسعار معظم الشركات غير مقبولة ولا يمكن تبريرها وفق أي معيار مالي أو منطقي. فمجرد إعلان إحدى الشركات المستهدفة بعمليات مضاربة خبر توقيعها عقدا قيمته 10 ملايين ريال يعتبر كافيا لإطلاق عمليات مضاربة على سهمها قد ترفع قيمتها السوقية بمئات الملايين من الريالات.
على سبيل المثال شركتان كانتا أخيرا هدفا لعمليات مضاربة غير طبيعية هما شركتا المصافي وبيشة الزراعية أعلنت نتائجهما المالية الأسبوع الماضي، ما أكد بشكل قاطع انتفاء أي مبرر لتلك المضاربات. فشركة المصافي التي تضاعف سهمها عدة مرات خلال ثلاثة أشهر تُظهر نتائجها المالية للتسعة أشهر المنتهية في 31/1/ 2006 تحقيقها أرباحا لم تتجاوز 2.7 مليون ريال في حين قيمتها السوقية تقترب الآن من 5.6 مليار ريال. وبيشة الزراعية التي أعلنت أرباحا زهيدة لم تتجاوز 270 ألف ريال لكامل عام 2005، ارتفع سعرها بنسبة 330 في المائة منذ بداية العام وحتى الإعلان الثلاثاء الماضي عن وقف المتلاعب في سهمها ووصلت قيمتها السوقية إلى 4.9 مليار ريال وهو أمر لا يعقل ولا يمكن قبوله لشركة لا يتعدى إجمالي قيمة أصولها 44 مليون ريال. وصغر حجم كلا الشركتين وبالتالي قلة عدد أسهمهما جعلاهما صيدا سهلا للمضاربين، فأسهم شركة المصافي على سبيل المثال لا تتجاوز 800 ألف سهم، وبيشة الزراعية عدد أسهمها مليونا سهم فقط. لذا فهناك ارتباط بين حدة عمليات المضاربة وقلة عدد الأسهم المصدرة، فكلما قل عدد أسهم الشركة كلما أصبحت هدفا أسهل للمتلاعبين في السوق وزادت حدة المضاربة عليها دون أدنى اعتبار لحقيقة أدائها المالي.
هذه الأوضاع غير الطبيعية في السوق جعلته في منتهى الخطورة وسببت حرجا شديدا لهيئة السوق المالية اضطرت معه للتدخل لوضع حد لعمليات المضاربة غير المشروعة التي انعكست بنمو خطير متسارع في حجم التداول اليومي، ما يؤكد سيطرة المضاربين على مجريات السوق. فأحجام التداولات اليومية نهاية العام الماضي اعتبرت مرتفعة جدا عند وصولها إلى 25 مليار ريال، إلا أن أحجامها تزايدت مع بداية هذا العام وصولا إلى 45 مليار ريال، ولو لم يحدث عطل في نظام تداول يوم الأربعاء الماضي لربما تجاوز حجم التداول حاجز 50 مليار ريال، فتداول الفترة الصباحية ذالك اليوم كان قد تخطى حاجز 29 مليار ريال. ما يعني أن بقاء الهيئة في موقف المتفرج أمام هذا الوضع المتفجر أصبح غير مقبول ويترك انطباعا بأنها لا تملك القدرة على مجابهة المتلاعبين وأنهم في مأمن من العقاب ما زاد من جرأتهم وفاقم من تجاوزاتهم، وبتدخل الهيئة من خلال وقف حسابات المتلاعبين وتخفيض نسبة التذبذب اليومي إلى 5 في المائة أصبحت من جديد في كرسي قيادة السوق.
والحقيقة أن مهمة الهيئة أصبحت أكثر صعوبة بسبب تقصير الأجهزة الحكومية الأخرى المعنية بالشأن الاقتصادي عن القيام بدورها باتخاذ ما يلزم لتفادي تضخما كان متوقعا في السوق المالية في ضوء النمو الكبير في السيولة المحلية. وقرارات الهيئة رغم أهميتها ومناسبتها إلا أنها تتعامل في الواقع مع آثار المشكلة لا المشكلة نفسها، وهي أشبه بالطبيب الذي يصف دواء مسكنا للألم لمريض يشتكي من داء عضال، فلو حد من نمو السيولة لما تعرضت السوق المالية لكل هذه الضغوط أصلا، ولأصبحت الهيئة أقدر على ضبط سلوكيات المتعاملين. والجهات المعنية الأخرى مطالبة بتبني سياسات تعويضية تمتص فائض السيولة، من خلال بيع سهم الدولة في الشركات القائمة، طرح مشاريع بمتطلبات تمويلية ضخمة، تسريع طرح الشركات الجديدة، التي تتصف إجراءات طرحها بالبطء الشديد وتعدد المرجعيات، والضغط على البنوك لوقف توسعها اللامسؤول في منح القروض الشخصية من خلال حظر مؤسسة النقد على الأجهزة الحكومية وغير الحكومية القيام بضمان تحويل راتب الموظف للبنك المقرض. بمعنى آخر أننا في حاجة لأن تفيق أجهزة الدولة الأخرى من بياتها الشتوي وتبدأ بوضع وتنفيذ سياسات تعظم مكاسب الطفرة وتحد من آثارها السلبية، ودون ذلك فإن إجراءات الهيئة ستكون آثارها وقتية وستعاود السوق فورتها من جديد، فضخامة الموارد المالية في ظل شح في فرص الاستثمار أمام نمو كبير في المدخرات الشخصية ستدفع الكثيرين لسوق الأسهم المحلية ركضا خلف أمل الثراء السريع.