عبّارة الموت المصرية: الغني يكسب والفقير يموت

<a href="mailto:[email protected]">abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>

الانتظار والترقب والقلق تسود المجتمعين السعودي والمصري لما ستسفر عنه تفريغ محتويات الصندوق الأسود للعبارة المصرية السلام 98 التي راح ضحيتها للأسف أكثر من ألف راكب غالبيتهم من الإخوة المصريين إلى جانب عدد من المواطنين السعوديين. هذه القضية الإنسانية التي يطالب المجتمع المدني بضرورة المحاكمة الصارمة والعقاب الشديد, حيث إن محتويات الصندوق الأسود سوف تشمل جميع الاتصالات اللاسلكية التي تمت بين قبطان وطاقم العبارة والجهات الأخرى كالموانئ ومسؤولي الشركة المالكة والسفن المجاورة للعبارة وقت الحادث والاستغاثات والإنذارات. الخطورة في الموضوع أن قبطان العبارة الغارقة ما زال على قيد الحياة ومختف ولا يزال يتواجد حاليا في مكان مجهول؟ ساعده صاحب العبارة ممدوح إسماعيل بإخفائه بعيدا عن الأنظار لحين إغلاق ملف القضية وانتهاء التحقيقات خوفاً من أن يدلي القبطان بوقائع وتفاصيل الساعات الحاسمة قبل غرق الباخرة السلام 98. المصادر الأجنبية تؤكد على وجود اتصالات أجراها القبطان سيد عمر مع صاحب العبارة ممدوح إسماعيل ونجله عمرو، عبر تليفون الباخرة وعبر الاتصالات الهاتفية من المحمول الثريا والمرتبط بالستلايت. ثم جرى بين قبطان السفينة المنكوبة وبين صاحب العبارة ممدوح إسماعيل اتصال وفيه أبلغ القبطان بأن باخرته السلام 98 تتعرض لحريق محدود وأنه يتخوف من أن يمتد هذا الحريق إلى بقية الباخرة وأنه يفضل العودة إلى ميناء ضبا السعودي. السؤال المهم؟ هل صاحب العبارة أمر القبطان بالاستمرار حفاظا على سمعة الشركة؟ وهل يمكن العبث بتسجيلات الصندوق الأسود للباخرة السلام 98 الذي تم استخراجه أخيرا من السفينة الغارقة في قاع البحر؟ وتبقى كل هذه المخاوف قابلة للتصديق أو عدمه حتى يتم إعلان النتائج النهائية للتحقيقات من الجهات المختصة بطريقة شفافة وقابلة للتصديق. حيث ذكرت قناة CNN الأمريكية أن شركة السلام للنقل البحري، سوف تحصل على أكثر من 400 مليون دولار من إحدى شركات التأمين البريطانية التي كانت قد أبرمت معها وثيقة تأمين على أسطول العبارات الخاص بالشركة الذي يصل عددها إلى أكثر من 18 عبارة.
وإذا صحت هذه المعلومة فهذا يعني أن شركة السلام لممدوح إسماعيل ستكون الرابحة الأولى من وراء هذه الكارثة في ظل تأكيدات للشركة أنها ستدفع لكل ضحية مائة وخمسين ألف جنيه للتعويض عن الكارثة التي حلت بها حيث ستصل التعويضات إلى الأفراد جميعاً إلى مليار ونصف المليار جنيه في حين أن التعويضات التي ستصرفها الشركة من شركة التأمين البريطاني ستصل قيمتها إلى مليارين وأربعمائة مليون جنيه. كذلك فإن شركات التأمين العالمية ستدفع تعويضاً قدره أربعون ألف دولار لكل ضحية وهذا ما يعني تحقيق ربح لشركة السلام عن كل ضحية خمسة وخمسين ألف جنيه بعد أن أعلنت أنها ستدفع مائة وخمسين ألف جنيه فقط. هذا مع العلم أن الشركة يمكنها استثمار هذا المبلغ كوديعة في أحد البنوك وتعظيم استفادتها من الكارثة في ظل البيروقراطية والعقبات التي ستقف أمام صرف هذه التعويضات انتظاراً لقرارات القضاء باعتبار المفقودين الذين يصل عددهم إلى أكثر من أربعمائة ضحية في عداد الموتى. هذه الأخبار المهمة جدا تبين الفرق الكبير في الحصول على المعلومات من الأخبار العربية أو الغربية. ففي حين أن القنوات العربية الفضائية العديدة لم تزودنا بأي معلومات دقيقة عن العبارة إلا بعد مرور أكثر من 48 ساعة على غرق العبارة، فإن القنوات الفضائية الإخبارية الأجنبية سباقة في نشر تفاصيل ومعلومات كافية عن العبارة، فبمجرد أن أعلن عن فقدان الاتصال بالسفينة "السلام 98" قامت القناة الإخبارية CNN بالاتصال بشركة التأمين لويدز البريطانية وعلى الفور أعطى مسؤولوها تقريراً كاملاً عن تاريخها وصناعتها ونوعيتها وطاقة استيعابها ومسيرة عملها وبعد ذلك درجة الأمان فيها، مع العلم أن أوروبا وخاصة إيطاليا تخلصت منها بالبيع عام 91 عندما فرضت معايير سلامة عالية، ولذلك فإن تاريخ شركة السلامة المصرية ليس تاريخا مشرفا, فإحدى سفنها العبارة "سالم إكسبرس" غرقت قبالة ميناء الغردقة المصري مما أدى إلى مقتل جميع الركاب البالغ عددهم 476 شخصاً، وعرف فيما بعد أن المشكلة كانت في خطأ إبحاري من قبل الربان. ولم ينتج عنها تلك الأيام محاسبة ولا رفع من مستوى المعايير البحرية. وسفينتها "السلام 90 - بتراركا" في حزيران (يونيو) 2002 بعد حريق أصابها وهي تغادر دبي باتجاه سفاجا، لكن الركاب أخلوا قبل غرق السفينة مما أدى إلى وفاة واحدة وعشر إصابات. والسفينة "السلام 95" اصطدمت في تشرين الأول (أكتوبر) 2005 بسفينة قبرصية عند خليج السويس وعلى متنها 1495 حاجا ومعتمرا وتم إنقاذ جميع الركاب ثم ما لبثت أن غرقت في دقائق بعد فصلها عن السفينة القبرصية. التساؤلات القانونية تدور في أذهان الكثير من المواطنين فإذا كانت الشركة المالكة للعبارة غير مذنبة حسب تعليقات مالكيها فمن المذنب في هذه القضية، نحن نقول إن الهيئات المصرية والهيئات السعودية تعتبر أيضا مذنبة لأنها لم تقم بعمل الفحوصات المطلوبة للعبارة قبل مغادرتها، فالحكومة المصرية كانت قد استخرجت وجددت لها شهادات التشغيل. وأيضاً وعلى الدرجة نفسها، فقد غادرت العبارة الموانئ السعودية بعد أن تم عمل الفحوصات المطلوبة وتم حصولها على شهادة التفتيش البحري والصلاحية الملاحية وأن غرق العبارة واستقرارها في قاع البحر بعد ساعتين كان أمرا محيرا؟ خاصة أن منطقة غرق العبارة خالية تمامًا من الشعاب المرجانية. هذا ومع مطالبة المجتمع المدني وكذلك مجلس الشورى في كلا البلدين مصر والسعودية بأهمية أن تقدم الجهات الحكومية ذات العلاقة تقريرا متكاملا عن حادث العبارة المصرية (السلام 98) نرى أن الموضوع سوف ينتهي في الأدراج الحكومية. حيث يصعب على الإنسان العربي أخذ حقه بالقانون والعدل, لذلك نخرجه بواقع درامي من خلال بعض المخرجين السينمائيين حيث ذكرت جريدة "الجمهورية" أن المخرج السعودي مشعل العنزي قرر كتابة سيناريو فيلم بعنوان كارثة السلام 98 يتناول خلاله حادث غرق العبارة المصرية بتكلفة خمسة ملايين ريال، وقال مشعل العنزي إنه سيجمع القصص التي رواها الناجون للصحف السعودية.
ختاماً لن يضيع دماء أبنائنا في موجات البحر وسوف نطالب اتحاد المحامين العرب ومنظمات حقوق الإنسان العمل والمتابعة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة التي يشترك فيها شركة السلام، وكذلك مسؤولو وموظفو وزارة النقل والبحرية المصرية والسعودية، وجهات التفتيش المختلفة سواء على الجانب المصري أو السعودي، ومن نجا من طاقم السفينة. إن تأجيل المحاسبة لا ينتج عنه استشراء للفساد فحسب, بل وتكرار الكوارث، ومن أمن العقوبة سوف يستمر بالمتاجرة في أرواح البشر.
ويجب على الدول العربية كافة التجاوب مع معايير السلامة البحرية الدولية، ويجب أن تقوم الدول العربية باتخاذ إجراءات أكثر حزمًا حيال السفن التي لا تلتزم بمعايير السلامة البحرية، للحيلولة دون حدوث المزيد من هذه الكوارث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي