"الوزير الأكاديمي" الأكثر تفاعلاً مع القطاع الخاص

لم تكن مفاجأة أن يرى الجميع المسؤول الأول عن قطاعي "التجار" و"الصناع" ممن حضروا فعاليات افتتاح معرض القاهرة الدولي في دورته الـ 39، وكذلك اجتماع مجلس الأعمال السعودي - المصري, يرمي بثقله وخبرته بينهم، متجاوزاً حتى لقب "المعالي"، حتى ظن البعض أن الوزير هاشم يماني ربما يمتلك مصنعاً أو مشروعاً تجارياً، فهو مطلع على أدق التفاصيل ويسأل ويستفسر عنها، خصوصاً أنه الرجل الذي قاد حسم ملف انضمام بلاده إلى منظمة التجارة العالمية مدعوماً بجهود فريق التفاوض من جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات.
الوزير اليماني بدأ رحلته "وزيراً" في عام 1995م في وزارة ذات صبغة "التكنوقراط" حين تمت تسميته وزيراً لحقيبة الصناعة والكهرباء، ونجح الوزير الأكاديمي القادم من رحم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، خلال الفترة الأولى في ترسيخ كثير من المفاهيم، وحقق إنجازات لعل في مقدمها منظمة القوانين والإجراءات المطبقة حالياً في وزارة التجارة.
وفي عام 2003م، حدثت تغيرات في الحقيبة الوزارية للدكتور هشام يماني بعد تجديد الثقة به، إذ انتقلت إليه هموم الصناعيين بعد أن تم إلغاء وزارة الصناعة والكهرباء, ونقل النشاط الصناعي إلى وزارة التجارة, وليس جديداً الإيضاح والتفصيل هنا، إن ما حدث كان أمراً حتمياً، فطبيعة الأحداث والتطورات في ساحة التنمية هي التي فرضت على صانع القرار أخيراً، اللجوء إلى إحداث التغييرات في التنظيمات والهياكل حتى تراعي الواقع. وإجمالاً، فإن حقيقة ما حدث أن الصناعة كانت واحدة من إدارات وزارة التجارة، حتى قبيل الثورة الصناعية الثانية بما اضطر الحكومة لإنشاء جهاز مستقل هدفه تذليل العقبات أمام المستثمرين الصناعيين وحفزهم.
وبعد أن تحقق ما تحقق للصناعة وما رافقه من إنشاء مؤسسات مستقلة، مثل: هيئة المدن الصناعية التي تعنى بجميع شؤون الصناع، وإنشاء الهيئة العامة للاستثمار التي تولت ملف الترويج والتراخيص، كان لا بد أن يعود الأصل إلى الفرع ـ أي عودة الصناعة إلى التجارة ـ وكأننا أمام واقع حال، يقول: إن الصانع والتاجر هما وجهان لعملة واحدة، فالصانع ربما يتحول إلى تاجر لكي يبيع سلعته، والتاجر ربما يتحول إلى صانع حينما يجد جدوى في تصنيع سلعة كان يستوردها.
في لقاء القاهرة كان الوزير يماني حاضراً في موضوعين ساخنين، هما: دعم الصناعات السعودية ومجلس الأعمال السعودي - المصري لمناقشة كل معوقات التصدير والاستثمار. كان شفافاً إلى أبعد الحدود مع كل المستثمرين تجاراً وصناعاً.
ومن المنطقي الإشارة هنا إلى أن حضور الوزير اليماني يحمل رسالة ضمنية مباشرة إلى جميع المسؤولين والوزراء على أن حضورهم ووجودهم في أرض الميدان في كل المناسبات ذات العلاقة بالقطاع الخاص، أصبح ضرورياً، بل هي مناسبة للالتقاء بالجميع، بدلاً من مواعيد المكاتب. أما في المناسبات الدولية خارج الحدود، فلعلها تكون مناسبة لتفاعل سفارات خادم الحرمين الشريفين والاستماع إلى شكاوى المستثمرين السعوديين لرفعها إلى مقام وزارة الخارجية، حتى تتولى شعبة الثنائية الثقافية الاقتصادية التنسيق مع الوزارات ذات العلاقة. وينبغي الإشارة هنا إلى أن الوزير يماني كان أول وزير ينادي بتفعيل الملاحق التجارية في السفارات السعودية، ويحرص كل الحرص على حضور الفعاليات ذات العلاقة المباشرة بالصناعات والصناعيين في مشاركاتهم الخارجية، لتقديم الدعم المعنوي لهم.
وما دام الحديث بالحديث يذكر، فإني من خلال علاقتي الوطيدة بقطاع المعارض وشركاته السعودية، أطلب مجدداً دعم الوزير هذا القطاع الذي يسهم بشكل كبير في دعم الصادرات الوطنية من خلال تفعيل مشاركة جميع المصدرين. وأثبتت الحاجة أننا بحاجة إلى "لغة" جديدة للتعامل مع الشركات والمصانع، فالمشاركة في المعارض الخارجية ليست "رحلة" ترفيه، وليست مشاركة "دعائية"، فهناك الكثير من الفرص الواعدة في الأسواق.
وإذا كان الحديث عن قطاع الصادرات، فإن الوزير يماني أمامه تحديات تمس جزءا كبيراً من اقتصاديات التصنيع، فالمصانع هي التي تؤهل المنتج لأن يكون سلعة قابلة للتصدير. كما أن التصدير يلامس أيضا العمل المؤسسي الفعال, فالسلعة بحاجة إلى جهاز متكامل يدفعه متسلح بنظام قوي وفعال يستطيع في كثير من الأحيان مواجهة الظروف الطارئة، لذا فإن من أبرز التحديات الداخلية:
أولا: تواضع معدلات نمو قطاع الصناعات التحويلية، مما يعتبر نتيجة مباشرة لعدم قدرة مناخ الاستثمار على المنافسة لاستقطاب حصة أكبر من الاستثمارات الأجنبية مقارنة بما حدث في مجموعة كبيرة من الدول النامية·
ثانيا: تراخي تنفيذ أهداف سياسة التنويع وتطوير القاعدة الإنتاجية لإيجاد مصادر دخل بديلة للنفط باعتبار أن ذلك يمثل هدفا رئيسيا من أهداف خطط التنمية·
ثالثا: صغر حجم التكوين الرأسمالي للمشاريع الصناعية، حيث أصبحت هي السمة الغالبة للمشاريع الصناعية المشتركة القائمة، وتدل الإحصائيات أن نسبة 72.7 في المائة من المشاريع الصناعية يقل رأسمالها عن 50 مليون ريال.
رابعا: ضعف سياسة تشجيع المستثمرين السعوديين لإنشاء المزيد من المشاريع الموجهة للأسواق الخارجية.
خامسا: ضعف التمويل والضمان، وهما أبرز عقبتين أثبت مسح رسمي تواجهها شركات لديها الرغبة في فتح أسواق جديدة.
وينبغي الإشارة إلى أن قطاع التصدير لا يزال يعاني غياب مؤسسة تدفعه للنمو، فقد قامت الحكومة السعودية ولا تزال بدعم الإسكان، والصناعة، والزراعة من خلال صناديق تنموية بهدف حث النمو، وبقي قطاع التصدير. ولعل بادرة جيدة تلقاها المصدرون حينما طلب مجلس الشورى في جلسته الأخيرة من وزارة التجارة بدء دراسة جديدة لإنشاء هيئة عليا للصادرات.
ولعله من المناسب هنا البحث بشكل جدي في إنشاء هيئة محلية لتمويل وضمان الصادرات غير النفطية، والاستفادة حاليا من قرار توسيع نشاط الصندوق السعودي للتنمية لتمكينه من القيام بهذا الدور, إضافة إلى تشجيع البنك الإسلامي للتنمية لتوسيع نشاطه. وينبغي أيضا تشجيع إقامة شركات لترويج وتصدير المنتجات وتفعيل دور السفارات السعودية في الدول الإفريقية عن طريق القناصل التجاريين بحيث يتم اختيار كفاءات فاعلة تخدم هذا القسم. وتحفيز شركات المعارض لتنظيم معارض متخصصة والإشراف على الأجنحة المتخصصة بحيث تكون مساهمة القطاع الحكومي بالمشاركة (المدفوعة) وليس (المجانية), والنظر في إمكانية ربط المساعدات المالية التي تقدمها السعودية للدول الأخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي