تسمية شوارع الرياض.. والقومية العربية

<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>

أسعدني أن وجد مقال الأسبوع الماضي الخاص بتسمية شوارع الرياض صدى كبيراً بين القراء والقارئات، وانهالت الاقتراحات والتأييدات وأيضاً الأمثلة المؤيدة للمظاهر التي ذكرتها آنفاً، ولا سيما تلك التي لا تراعي ضرورة أن تتصف الأسماء بوضوح الدلالة والاختصار لإمكان القراءة السريعة أثناء قيادة السيارة وحتى لا تستغرق السائق قراءة لوحة ما تفويته للمخرج المقصود أو دعمه للسيارة التي أمامه. حسناً، لأنتقل إلى قضية أخرى.
تظهر مشكلة أخرى في تسمية الشوارع الصغيرة في الأحياء تدل على أن المخطِط ليست لديه دراية كافية بتخطيط المدن أو بعلم تسمية الشوارع. ففي مربع واحد يطلق على خمسة شوارع فرعية أسماء مختلفة لوديان: فوادي رخام، وادي الزرقاء، وادي ركبة ووادي السرح ووادي الرمة وعدد منها يتقاطع مع بعضه البعض، وأغرب ما في الأمر أن أطول أودية السعودية وهو وادي الرمة لا يصل طوله إلى أكثر من عشرة أمتار، أقصر الشوارع في هذا المربع. هذا فضلاً عن أن هذه ليست أسماء تاريخية مرتبطة بجغرافية المنطقة فهي لها واديها الذي يمكن إطلاقه بحق وبشكل أفضل توزيعاً. ومثال آخر على سوء توزيع الأسماء شارعان في حي السلامة في شرق الرياض يدعى أحدهما شارع رذاذ ويتقاطع مع شارع أبي الرزراز. لا تعليق أو لأعلق، ففضلاً عن التشابه في النطق بين الاسمين نجد أن أحدهما اسم ظاهرة طبيعية والثاني لشخصية لا ندري من هي. وقد وصلتني من القراء دعوة لتتبع أسماء الشوارع في شرقي الرياض من كثرة التناقضات التي تحملها أو لا يوجد لها أصل أو معنى، ذُكرت لي "الديلبة".
وهناك بعض الشوارع التي تستمر إلى الجهة الأخرى من الخط السريع أو جهة أخرى من مبنى ما بينما شوارع أخرى تتغير أسماؤها بمجرد أن تقاطعت مع شارع رئيسي. فعلى سبيل المثال هناك شارعا الأمير سلطان بن عبد العزيز والأمير تركي بن عبد العزيز الثاني اللذان يمتدان من غرب طريق الملك فهد ويستمران بعد ذلك في شرقه دون وجود إشارة تقاطع تبرر استمراره، بينما شارع الخزان المذكور سابقاً يبدأ غرباً باسم شارع الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله ثم يصبح أبا أيوب الأنصاري ثم الأمير سلمان بن عبد العزيز شرقاً. وشارع الملك فيصل يتحول إلى شارع العليا شمالاً. ومثال آخر لشارع يتغير اسمه لكنه يحمل من المتشابهات الشيء الكثير، فهذا طريق الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد (طريق الجامعة) في شمال الرياض الذي يستمر شرقاً بعد أن يقطعه الدائري الشرقي عند مخرج 9 ويتحول اسمه إلى الإمام عبد الله بن سعود بن عبد العزيز (أي ابن الأول الذي كان في غرب الدائري) وهذا الشارع يلي مخرج 10 الذي هو طريق الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولا أعتقد أني بحاجة للتعليق على استحالة التعرف على المخرج المطلوب قبل التدقيق بالنظارة المكبرة ودون الضغط على الكوابح طويلاً وتعطيل السيارات في الخلف للتأكد من صحة المخرج. وربما أكتفي بهذه الأمثلة لكثرتها.
وأختم بالقضية العروبية، فعلى الرغم من أن بين ظهرانينا سبعة ملايين أجنبي غالبيتهم لا يتحدثون العربية إلا أننا لا نعير هذه "الخصوصية السعودية" بالاً. قد يقول القائل إنهم لا يترجمون لوحاتهم في أمريكا أو فرنسا أو الفلبين، وهذا صحيح ولكن من الذي بحاجة من؟ هذا هو السؤال. إن جزءاً كبيراً من هؤلاء الأجانب هم من السائقين الذين يقودون بالنساء ويقضون حوائجهن، أو من سائقي سيارات الأجرة الذين يقودون بكل زائر للرياض، فكيف لهؤلاء أن يسيروا في دروب الرياض ويعرفوا أين هم على الخريطة، التي وإن كانت مترجمة فهي لن تفيدهم بشيء نظراً لأن اللوحات بعد ذلك ستتركهم لمصيرهم، ونكون نحن النساء أول ضحايا هذا التخبط الذي يقع فيه السائقون ممن لا يمكن أن يستدلوا على شارع تذكر له اسمه الصحيح وتضطر أن تنتظر حتى يتأقلم في البلد ويتعرف على أسماء محلية من جماعته.
وأجد أن هذه القضية تهون نظراً لأننا بدأنا نرى بعض إضافات في اللوحات الرئيسة في الخطوط الدائرية والسريعة بالخط اللاتيني، لكن التناقض الكبير من وجهة نظري يكمن في حالة الحي الدبلوماسي. فهذا الحي بخصوصية عنوانه يُفترض أنه مخصص للجاليات الأجنبية ومن أحب من السعوديين الإقامة هناك فهذا شأن آخر، لكن الحي مُخطط من قبل الهيئة العليا لتطوير الرياض على أن يكون حياً نموذجياً للسفارات وبعثاتهم فماذا نرى؟ نجد أن مخططي الحي اختاروا أطول وأعقد أسماء في التراث العربي وسموا بها الشوارع التقاطعية الرئيسة لهذا الحي وهما "عبد الله بن حذافة السهمي" و"عمرو بن أمية الضبّي" ثم بأسماء علماء مسلمين آخرين لا تحضرني الآن، فماذا يُتوقع من الأجانب المساكين؟ وكيف يمكن أن يترجموا هذه الأسماء لتصبح مقروءة بلغاتهم؟ لم يكونوا بحاجة إلى ذلك، لأنها على كل حال ليست مكتوبة بحروف لاتينية ومتروكة بحروفها العربية حتى يُجبر هؤلاء الأجانب على تعلم لغتنا، "فهذه مشكلتهم" كما يبدو. وبعد ذلك نجد أن الشوارع الفرعية رقمت بالحروف الأبجدية العربية فهذا شارع أ، وب، ج، وح، وخ إلخ. أما السفارات فعلى مقدمة مدخل كل سفارة منها لوحة جميلة باسم السفارة بالعربية فقط.
في هذا الحي تتضح عصبيتنا العربية وقوميتنا التي لا نتنازل عنها. فبالله من المفترض به أن تخدم هذه السفارات؟ أليست جاليتهم المقيمة في السعودية، فكيف للجالية الصينية أو الهندية أو الإسبانية الاستدلال على سفارتها ولوحاتهم مطبوعة بالعربية فقط؟ في كل مرة أدخل الحي الدبلوماسي لأي غرض وأتوه عن بعض مواقعه أرثى لحال الأجنبي الذي يريد أن يقضي غرضه في هذا المكان المخصص له. فما الحكمة يا بلدية الرياض والهيئة العليا لتطوير الرياض؟
يا حبذا لو أن بلدية الرياض تأخذ على عاتقها هذه الملاحظات في تسمية الشوارع في المستقبل أو ما يمكن إصلاحه في الحاضر. وأن تراعي التسلسل المنطقي في ترتيب الشوارع، ولا بأس بالترتيب التاريخي الذي لا يحمل تداخلاً أو خلطاً. فمن الأولى أن تكون طرق الخلفاء الأربعة متتالية ومرتبة تاريخياً فنبدأ بأبي بكر فعمر فعثمان فعلي. ولكننا نجد طريقي أبي بكر وعثمان في شمال الرياض متوازيين وعلي وعمر في جنوب الرياض متقاطعين. وقد ورد في تعليقات القراء عدد من الاقتراحات المتخصصة يمكن الاطلاع عليها على موقع "الاقتصادية". وحبذا لو تستشير البلدية سكان كل حي في الأسماء التي يفضلون إطلاقها على شوارع حيهم، وتعنت نفسها بتسجيل نبذة تعريفية عن الشخصيات غير المشهورة التي تسمي بها الشوارع، فهي بذلك ترفع الوعي عند السكان وتشاركهم في الأمر وتربطهم أكثر بتاريخهم ومعالم حضارتهم كما نجده في كل بلدان العالم التي تعتز بحضارتها وبمواطنيها.
* هذا كان أظرف تعليق تلقيته: "صدقت والله إني عشت في الرياض نحو سنتين وبالضبط في شارع الخزان ويعلم الله إني عجزت أحفظ اسم الشارع مدري هو شارع فيصل بن عبد الله أو فيصل بن تركي بن عبد الله. وإذا أحببت أوصف لأحد أقعد أقول له بالجوال امش واقرأ لي اللوحة وإذا أحسست أنا أن الاسم مألوف قلتله إيوه هذا هو خش يمين، وهكذا الين يوصل أبراج الخزان. يعني كنه هو اللي يوصف لي الطريق، طبعا هذا إذا كان يدل في الرياض نوعا ما هه ممكن يوصل، لكن المشكلة لا صار مثل واحد من الجماعة كان جاي من الخرج ولا يعرف بالرياض شيئا تدرون وش قلتله .. قلت له "أول ما تدخل الرياض شف أي ليموزين وعطه عشرة وهو يوصلك"، أنا ناقص تجيني فاتورة الجوال مليون، جعععععله ما يدل البيت".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي