ملاحظات حول المساهمات
<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>
لست في وارد منافسة محللي وخبراء سوق الأسهم, وقليل منهم يفيد وكثير منهم يلقي الكلم على عواهنه ويفسر الماء بعد الجهد بالماء. ولكن لكوني من ضمن الثلاثة أو الأربعة ملايين مواطن المهمومين بسوق الأسهم وما جرى ويجري فيها مما يندرج تحت اللامعقول, تبدت لي عدة ملاحظات لا أجد لها تفسيرا منطقيا يتوافق مع المصلحة العامة حتى وإن بنيت على منطق اقتصادي. فما يجري في هذه السوق يثير الكثير من التساؤلات التي لم تجد بعد إجابات شافية وافية بما فيها الإجابة التقليدية وهي أنها كأي سوق عرضة للعرض والطلب, ولهذا فإن محاولة تفسير ما جرى ويجري في هذه السوق بات عبثا لا طائل من ورائه. وما دمنا قد سلمنا بقضاء الله وقدره فيما فات فإنه يحق لنا أن نسعى إلى تلافي شيء مما حدث فيما سوف يحدث.
في الآونة الأخيرة تكاثرت أخبار موافقة هيئة سوق المال ووزارة التجارة على طرح عدد من الشركات العائلية أو المقفلة كشركات مساهمة في سوق الأسهم, وهذا خبر جيد, فكل المعنيين بالسوق يؤكدون دوما ضرورة توسيع مجال وقاعدة السوق عن طريق تشجيع الكثير من الشركات لتتحول إلى شركات مساهمة, ومن ضمن ذلك مطالبة كثيرين بأن تسهم الدولة في هذا التوسع المطلوب عن طريق طرح جزء من أسهمها في الشركات الكبرى للاكتتاب العام. والهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة للسيولة المالية الكبيرة المتوافرة في البلد للاستثمار داخله, على اعتبار أن مجالات الاستثمار محدودة قياسا بحجم السيولة على ذمة المحللين. والجميع يقر بأن حجم السوق حاليا أقل من أن تستوعب الجزء الأكبر من هذه السيولة بناء على رؤية كل المحللين الماليين تقريبا, إلا أن الإعلان عن الموافقة على إدخال شركات جديدة أو قائمة فعلا يستدعي بعض الملاحظات التي أراها مهمة.
الملاحظة الأولى حول نسبة ما يطرح من أسهم للاكتتاب العام, فالإصرار على طرح 30 في المائة وإبقاء 70 في المائة في يد المؤسسين والملاك فيه قدر من الاحتكار غير المقبول, فهذه النسبة الضئيلة لا تسمن ولا تغني قياسا بعدد المكتتبين الكبير, والفارق ما بين عدد المكتتبين والأسهم المطروحة لهم لا يمكن الفرد من الحصول إلا سهم واحد كما في اكتتاب شركة الدريس, وفي حد أقصى أربعة أسهم كما في شركات أخرى. وعلى الرغم من تعالي الأصوات بأن هذه النسبة غير عادلة ولا توفر التشجيع على الاكتتابات مستقبلا إلا أن هيئة سوق المال مازالت مصرة عليها ومتمسكة بها, ولست في حاجة إلى ترديد المطالبة بإعادة النظر فيها, كأن تعكس, أي أن يطرح للاكتتاب العام 70 في المائة أو على الأقل مناصفة عادلة 49 في المائة للاكتتاب العام و51 في المائة للمؤسسين.
الملاحظة الثانية حول علاوة الإصدار التي تزيد بنسبة كبيرة على سعر الاكتتاب, وهناك من يقول إن المستفيد الأول من علاوة الإصدار هم المؤسسون والملاك, وقد تقبل علاوة الإصدار إذا كانت في حدود المعقول وأن تحسب وفق حالة الأصول ساعة الاكتتاب. أما أن تصل إلى سبعة أضعاف سعر السهم المطروح يصبح الأمر محل تساؤل عن دقة الحساب, ومثلما نطالب بإعادة النظر في نسبة ما يطرح من أسهم للاكتتاب العام نطالب أيضا بإعادة النظر في حجم علاوة الإصدار.
الملاحظة الثالث وأجدها غاية في الأهمية, من وجهة نظري على الأقل, وهي خاصة بالشروط التي يجب توافرها في الشركة التي تريد التحول إلى مساهمة عامة, وأنا هنا لا أقصد الشروط التجارية بقدر ما أقصد توافر الحد الأدنى من الفائدة العامة من طرح أي شركة في السوق حتى لا يتحول الأمر إلى "سداح مداح". وزيادة في الإيضاح فإني أقصد أن تدرس أوضاع كل شركة تريد دخول السوق من ناحية كم الأسهم المطروحة ومن ناحية النوعية أيضا, فهناك فرق ولا شك بين شركة إنتاجية وأخرى عملها قاصر على الاستيراد مثلا, فما الذي يمكن أن تضيفه شركة لا تطرح إلا مليوني سهم فقط إلى السوق؟
وهنا أيضا أطالب الجهات المسؤولة بالتدقيق في حجم الشركات ونوع نشاطها حتى لا تصبح السوق مفتوحة لكل من هب ودب لتحويل دكاكينه ومعارضه إلى شركة مساهمة هدفه أخذ أضعاف رأسماله من المساهمين وإبقاء احتكاره عبر الـ 70 في المائة التي سوف تبقى في يده. وأخشى ما أخشاه أن تتحول الرغبة في توسع السوق بإدخال شركات جديدة إلى فقدان المعايير الصحيحة التي قد تغري حتى صاحب سلسلة مطاعم فول مثلا بتحويلها إلى شركة مساهمة.
إن الخوف في أن تكتظ سوقنا بشركات ضعيفة أصلا, وسوف يزداد ضعفها بعد أن يحصد ملاكها ومؤسسوها أضعاف رأسمالهم وتترك في مهب ريح السوق وبما قد يوصلها يوما إلى الإفلاس, لا قدر الله, وهذه طامة كبرى. ولنا شاهد في الشركات الخاسرة في السوق اليوم التي تعود خسائرها إلى ضعف أداء مجالس إداراتها أولا وضعف إمكاناتها ثانيا. وهنا يجب ألا ننسى ونغفل عن أن المملكة باتت عضوا في منظمة التجارة العالمية بكل شروطها ومعاييرها وما سوف يأتي معها من انفتاح اقتصادي واسع وشركات عملاقة سوف تزاحم شركاتنا في منافسة صعبة وشديدة, وهو ما يجب أن نحسب حسابه في شروط قبول الشركات ومعاييره. وأنا أقول ذلك أعرف أن هناك من سوف يردني إلى القوانين والأنظمة التجارية, وهي على عيني ورأسي, ولكني انطلق في رأيي من المنطق والمعقول والذي قد يتعارض مع القوانين والأنظمة وعندها سوف نتساءل: أين يكمن الخطأ؟ بالطبع لا يمكن أن يكون الخطأ في المنطق والمعقول.