حتى لا يفشل برنامج الابتعاث الخارجي

<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>

التوجيه السامي بابتعاث خمسة آلاف طالب وطالبة للولايات المتحدة وما تلاه من توجيهات سامية كريمة بابتعاث آلاف آخرين إلى دول أخرى عديدة في شرق آسيا وإلى أستراليا ونيوزيلندا، يهدف إلى إحداث نقلة نوعية هائلة في تأهيل مواردنا البشرية وخلق كفاءات علمية وإدارية متميزة، نحن في أمس الحاجة إليها خاصة في ظل الطفرة الاقتصادية التي نمر بها والمتوقع استمرارها لسنوات عديدة مقبلة. إلا أن أسلوب تطبيق هذا التوجيه يُظهر أن هذا الهدف غائب تماما عن ذهن مخططي برنامج الابتعاث الخارجي في وزارة التعليم العالي، وأننا نضيع، دون مبرر، فرصة فريدة ربما لا تتكرر مستقبلا.
ففرصة الابتعاث تكاد تكون متاحة حاليا لكل راغب وليست للمتميزين من الطلبة فقط، وتبدو كما لو أنها فرصة أخيرة لكل من لم يستطع الحصول على قبول في إحدى الجامعات السعودية، أو يواجه صعوبة في الاستمرار فيها، أو حتى حلا لمشكلة خريج لم يستطع الحصول على عمل، أي بعبارة أخرى ملجأ أخيرا وفرصة لمن لا ملجأ له ولا فرصة. فحتى وحدات التعليم العالي التي كانت تمثل الملجأ الأخير للطلبة غير المقبولين في الجامعات، كالكليات التقنية على سبيل المثال، انسحب بعض طلابها بعد حصولهم على فرص ابتعاث خارجي. وهو ما يعطي تصورا واضحا عن مستوى كفاءة وقدرات من أتيحت لهم فرصة للابتعاث، ومن ثم مدى النجاح المتوقع لهذا البرنامج المكلف جدا، والتي لا تقتصر تكلفته على التكلفة المالية فقط وهي بالمناسبة ستكون باهظة جدا، وإنما تشمل أيضا تكلفة الفرصة البديلة المتمثلة في إضاعة فرصة ابتعاث طلاب متميزين يمكن أن يسهموا بكفاءة في نقل التكنولوجيا والمعرفة المهنية لبلادنا.
غياب هدف توفير كفاءات متميزة من خلال هذا البرنامج يبدو أيضا من خلال اشتراط وزارة التعليم العالي بألا يكون المتقدم للبعثة مرتبطا بعمل في القطاع العام أو الخاص، ما يؤكد مجددا أنها تحاول القيام بدور وزارة العمل وتسعى إلى خلق فرصة لمن لا فرصة له. فإن كان هدف برنامج الابتعاث هو تزويد بلادنا بكفاءات متميزة مؤهلة، فإن من بين أفضل من يجب أن تتاح لهم فرصة الابتعاث هم من نجحوا في الالتحاق بعمل ولدى جهات عملهم الرغبة في تطوير قدراتهم ورفع مستوى تأهيلهم، وفتح المجال أمامهم للابتعاث يمثل في الواقع مساهمة من قبل الدولة في دعم هذا التوجه، وتشجيعا على رفع مستوى تأهيل كوادرنا البشرية في مختلف قطاعات اقتصادنا الوطني. أيضا فإن النمو الكبير المتوقع في الطلب على التعليم الجامعي يعني أن جامعاتنا ستحتاج مستقبلا إلى أعداد هائلة من أعضاء هيئة التدريس، ما يجعل من المناسب أن يكون برنامج الابتعاث الخارجي رافدا أساسيا للجامعات يزودها بكفاءات تدريسية ستكون في أمس الحاجة إليها مستقبلا. ويتحقق ذلك من خلال تشجيع برنامج الابتعاث للجامعات على اختيار عدد أكبر من المعيدين، ومن لا يوجد له وظيفة ضمن ميزانية الجامعة أو لا يتوافر مخصصات كافية في ميزانية الجامعة لابتعاثه، يتم ذلك ضمن البرنامج. فكونهم من الطلبة المتميزين الحاصلين على معدلات عالية في دراستهم الجامعية ومرشحين من قبل الجامعات، يجعل فرصة نجاحهم أعلى من غيرهم.
لذا ففرصة برنامج الابتعاث الخارجي في تحقيق هدف توفير كفاءات وطنية عالية التأهيل تكاد تكون محدودة جدا بوضعه الحالي، ومن المؤكد أن نتاج هذا البرنامج سيكون أقل بكثير حتى من نتاج برنامج الابتعاث في السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، فعلى أقل تقدير في ذلك الوقت كان معظم من أتيحت لهم فرصة الابتعاث طلبة متميزين، وهو عكس ما عليه الحال في برنامج الابتعاث الحالي. ووزارة التعليم العالي بحاجة إلى تدارك هذا الوضع عاجلا وقبل فوات الأوان من خلال وضع ضوابط صارمة تضمن تحقيق هذا البرنامج الطموح لأهدافه بأعلى كفاءة ممكنة. وألا يقتصر اهتمامها على مجرد إنهاء هذه المهمة بأسرع وقت وأقل جهد ممكن، وقياس نجاحها في تنفيذ البرنامج من خلال كم طالب وطالبة تم ابتعاثهم فقط، فالمعيار الحقيقي لنجاح البرنامج هو نوعية وكفاءة من تم ابتعاثهم حى لو لم يبتعث إلا أعداد محدودة جدا كل عام.
وفي هذا السياق، فإن لشركة أرامكو تجربة رائدة في الابتعاث إلى الولايات المتحدة كان من الأولى استفادة وزارة التعليم العالي منها وتطبيقها نظرا لنجاحها المتميز. فالمرشحون للابتعاث يتم إخضاعهم لاختبارات قبول دقيقة، تقيس كفاءة وقدرات المتقدمين وتساعد على تحديد مجالات الابتعاث المناسبة لهم وفقا لذلك، بعد ذلك يلتحق من يقبل منهم لمدة عام كامل في برنامج دراسي مكثف، من يتجاوزه بنجاح يتم ابتعاثه. هذا الأسلوب في تصفية المتقدمين، ضمن للشركة أن تكون فرصة الابتعاث من نصيب أفضل المتقدمين ولمن ثبت جديته وعزمه على بذل الجهد المطلوب، ما أسهم في تميز وتفوق معظم مبتعثي الشركة، ساعد على ذلك متابعة دقيقة صارمة لهم أثناء ابتعاثهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي