(اختلاف) الرأي وليس (الخلاف) في الغرف التجارية
<a href="mailto:[email protected]">Abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مدينة القصيم لكل الأمة والمسؤولين (وثيقة تاريخية)، وضعها القائد لتكون مرجعية لنا في الحوار والنقاش وحين يقع الجدال أو (الاختلاف). تلك الوثيقة حسمت كثيرا من الجدل والحراك الثقافي الذي شهدته الساحة السعودية، ورأينا كيف ظهرت ألقاب جديدة تتمثل في فرق الضد والمعارضة وتصنيف نخبة رجال الأعمال بـ (المتربصين) و(المجتهدين). ولقد أثرت أن أضع كلمة الملك عبد الله في مقدمة مقالي، لتكون القاعدة والنبراس اللذين التزم بهما في حديثي عن إدارة الغرف التجارية بصفة العموم والتخصيص.
إن (الاختلاف) وليس (الخلاف) من أبرز سنن البشر في الكون، فالأول سوف يظل حاضراً حتى في أدق تفاصيل العلاقات الإنسانية، فليس من الضروري أن نتفق على رأي، ولسنا مخطئين إن اختلفنا، وحق طرح الرأي والتغير مشروع وتغليب رأي الجماعة على الفرد فيه اتباع للسنة النبوية، لأن الله خلق الإنسان بصفات وخصائص مختلفة, فمنا مـن يدرك الأمور ويفسرها قبل وقوعها، وهذه موهبة من الله يخص بها من يشاء من عباده، ومنا من لا يدرك الأمر إلا بعد وقوعه ويصبح واقعاً، وبالتالي يفقد حسن التصرف في مواجهة الأمور والتعامل معها. وإذا أردنا أن تكون العلاقات بيننا قوية ومتينة ومتداخلة فإن الاختلاف في الآراء يجب أن يقف عند حدود (الاختلاف) ولا يصل إلى حدود الخلاف والشقاق، لأن ما ينتج عند الخلاف للوقائع ومجرياتها لا يؤثر في جانب واحد فقط، فربما يؤثر في الجانبين معاً، بل ربما يمتد التأثير إلى أطراف أخرى لا علاقة لها بالاختلاف، وهنا تغلب المصلحة الخاصة على حقوق المصلحة العامة. ولا حاجة إلى أن أدخل في تفاصيل ما حدث في غرفة تجارة وصناعة جدة أخيراً، فصديقنا الصحافي الكاتب محمد سمان قدم وصفاً دقيقاً في مقالة الإثنين الماضي بعنوان "صيف ساخن انتهى باكراً" في جريدة "الحياة".
ما أريد قوله، إن (الاختلاف) وليس (الخلاف)، في العلاقات الإنسانية والاجتماعية ظاهرة حضارية وأمر منطقي وطبيعي، وطرح الحقائق بشفافية وحسن الإدراك أمر محمود، والعمل الجماعي على التغيير إلى الأصح فيه أجر عظيم، والرجوع إلى الحق فضيلة، والعاقل لا تمر عنده صغار الأمور ولا كبارها مرور الكرام دون الوقوف عندها والعمل على تصحيحها، وكذلك تدخل ولاة الأمر في تقريب وجهات النظر واحترامها واجب نحث بعضنا البعض على اتباعه، وإذا استمر الاختلاف وجب علينا الالتزام بالنظام والقانون الذي أقرة ولي الأمر في مجلس الوزراء ليكون الفيصل والحكم.
ويقيناً أن أعضاء مجلس إدارة غرفتي تجارة وصناعة جدة والأحساء يحملون لـ (الرئيس) حقوقا ووجبات ومساحة حرية لطرح رأيه، تعظم له وتقدر حين تكون ضمن إطار الصالح العام وتتوافق مع رأي الجماعة، ولكن ليس مقبولاً أن تستغل المناصب والعلاقات الاجتماعية بيننا لأغراض شخصية، ويكون الهدف من نجاحنا في عضوية مجلس الإدارة تحقيق مصلحة ذاتية للفرد.
ومع اختلاف الآراء ووجهات النظر في رئاسة الغرفة التجارية يجب الحرص على أن نقول بصوت واحد: إن الفريقين على صواب، وإنـما وجهة نظر الجماعة والأغلبية هي الأصح والأفضل وهذه ما حثنا عليه ديننا الإسلامي. لكن المشكلة التي نقف أمامها مكتوفي الأيدي إذا تحول الاختلاف في الإدارة إلى خلاف شخصي وتغلب الاعتقاد عند (الرئيس) أن الأمر عداء له وانتقاص لشخصه الكريم ومكانته في المجتمع! هنا تكمن المشكلة وتزداد صعوبتها وحرجها وحساسيتها, وعندما يكون الخلاف والانقسام على كرسي الرئاسة الذي وضع أساساً لتقديم خدمة تطوعية للمجتمع الاقتصادي دون مقابل فليس المكان وظيفة حكومية أو شركة خاصة!!
إن المجتمع الاقتصادي له حقوق وواجبات ولا ذنب له في اختلاف الآراء، لذلك لا يمكن القبول بتفسير النظام بعين الرئيس، أو اتخاذ القرار دون موافقة الجماعة؟ وسوف يسبق السيف العذل! ويخرج الحل من دائرة وزن الأمور، وتنطلق المهاترات ونتجاوز أدب الحوار، وتذهب النية الصادقة، وتغيب السياسة الواضحة وتنفجر سياسة الأهواء، وتصبح الحلول مفرغة وفي حلقة مغلقة، ولا مكان لاحترام رأي الأغلبية، وتظهر حب الذات واتباع هوى النفس، وننسى الوعود الانتخابية، ونتجاهل آراء وحلول المسؤولين, ويعجز العقلاء المتدبرون لأمرهم وأمور من حولهم. وليس مقبولاً القول إن الجماعة ليس لها الحق في التغير أو المعارضة أو انتقاد أخطاء من رئيس الغرفة، وليس من العدل هضم حقوق (الجماعة) فيما يبذلونه من جدهم واجتهادهم, ونجاح الفريق يأتي بالمثابرة والصبر والحنكة، ولنعلم في نهاية المطاف أن اختلاف وجهات النظر اختلاف فقط وليس خلافاً!
وتساق معها نصيحة مهمة، تلك التي قدمها أحد الحكماء، حينما سأله أحدهم عن تقييمه الرأي الصائب والخاطئ والمرجعية التي يحتكم بها في حياته وعلاقاته، فأجاب: (حاول إصلاح الرأي الخاطئ، وليكن رأيك يبني ولا يهدم ، واحرص ولا تبدد، وامر بالمعروف بقلب سليم ولا تندم، وكن طموحاً مثابراً بعقل مستنير، وإذا خاب أملك في أمر فاجعل ذلك حافزاً، وإذا وهن العظم منك فتعلم من خطأ الآخرين، وأقبل على الحياة وعشها قوياً وضعيفاً، مرضاً وصحة، ألماً ولذة، فهذه هي سنة الحياة ، تعلم من تجربة الآخرين وخذ من حكمة العقلاء وتنور من ثقافة الشعوب وجاهد واجتهد في العمل لله واحمد الله على كل حال، واترك الخلاف والشحناء واعمل في إخاء، واحرص على احترام الذات قبل أن تطلب احترام الآخرين لك، واحرص على أن تكون العلاقة مع الناس في أسمى صورها الحميدة، فمهما طالت الأعمار فلا بد من محاسبة الخالق لك).
ختامــاً: (افتح أبواب الصدق وعامل الصادقين بصدقهم، ولا تطع النفس في هواها، ولا تناصر ذا هوى فمن ناصر ذا هوى خاب سعيه، وبطُل رأيــه).
إِذَا حَـارَ أَمـرُكً في معنيين
ولم تـْدر حيث الخطأ والصّوَابُ
فَخَــالفْ هَواكَ فإنّ الهَـوَى
يقــود النفـوس إلى ما يُعابُ