حضور القلب في الصلاة
فإن المصلي مأمور بأداء الصلاة على وجهها, فيتم شروطها وأركانها وواجباتها, لذلك عليه أن يفرغ نفسه من جميع علائق الدنيا ليدخل في صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه بشهوة طعام أو مدافعة حدث مما يعجله على الفراغ من صلاته فينقص من أدائها على الوجه الأكمل, لذلك فإن مدافعة أحد الأخبثين البول أو الغائط أو الريح مما يسقط الجمعة والجماعة لمنعهما من إكمال الصلاة وحضور القلب, وقد اتفق الفقهاء في الجملة على أن مدافعة الأخبثين من مسقطات الجماعة لحديث عائشة, رضي الله عنها, قالت: إني سمعت رسول الله, صلى الله عليه وسلم, يقول: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" رواه الإمام مسلم. يقول النووي, رحمه الله: فالبول والغائط عذران يسقط كل واحد منهما الجماعة بالاتفاق, وكذا ما كان في معناهما. لذا وقع خلاف بين العلماء في صحة صلاة الحاقن وسبب الخلاف ورود النهي في الحديث وقد اختلف في النهي هل يدل على فساد المنهي عنه أم لا؟ أو يدل على تأثيم من فعله مع صحة عمله, والأظهر, والله أعلم, أن صلاة الحاقن وهو من يحبس البول مكروهة لأن النهي الوارد في الحديث من أجل خوف اشتغال بال المصلي عن الصلاة وتركه إقامتها على حدودها فإن أقامها على حدودها خرج من المعنى المخوف عليه وأجزأته صلاته وبئس ما صنع أن يصلي وهو في هذه الحالة, فالمصلي إذا صلى وهو مشتغل البال لا يمنع صحة الصلاة يدل على ذلك قول النبي, صلى الله عليه وسلم, "إن الرجل لينصرف وما كتبت له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها وسدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها" رواه أبو داود والإمام أحمد ولم يؤمر بالإعادة, ومع هذا فيتأكد على المصلي أن يؤدي صلاته كاملة غير منقوصة وأن يبتعد عن كل ما يشغل باله ويكدر خشوعه, فعن توبان, رضي الله عنه, عن رسول الله, صلى الله عليه وسلم, قال: "لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن ولا يقوم إلى الصلاة وهو حاقن" رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجة وغيرهم. وكلما كانت المدافعة أشد كان النهي آكد وإن خشي الحاقن خروج وقت الصلاة إذا اشتغل بقضاء حاجته فإن حرمة الوقت آكد, فيصلي في الوقت وهو على حاله لأنه إذا تعارضت مفسدتان اقتصر على أخفهما, وهنا مفسدة الصلاة وهو حاقن ومفسدة خروج الوقت, فإذا اشتغل بقضاء حاجته خرج وقت الصلاة وإذا صلى في الوقت صلى وهو حاقن والأخف هنا أن يصلي في الوقت لأنه شرط من شروط الصلاة لقول الله تعالى "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا", والخشوع لا يرتقي إلى ذلك بدليل عدم مطالبة غير الخاشع بالإعادة, فيقدم الشرط على غيره.