قلق "أوبك" غير مبرر

[email protected]

أبدت دول أوبك قلقا بالغا من التراجع الذي شهدته أسعار النفط الخام في الأسابيع القليلة الماضية، بعد تراجع الأسعار بنحو 25 في المائة من أعلى معدل وصلت إليه. هذا القلق ليس لأن دول أوبك ترى أن الأسعار الحالية متدنية وغير مناسبة، وإنما لخشيتها من أن تواصل الأسعار تراجعها وصولا إلى مستويات غير مقبولة، كما حدث مرارا في سوق النفط العالمية. فطوال تاريخ السوق النفطية يتبع كل ارتفاع كبير في أسعار النفط الخام تراجع حاد تضطر معه دول المنظمة إلى تخفيض إنتاجها دعما للأسعار, ما يفقدها جزءا كبيرا من حصتها من السوق النفطية، تضطر معه لاحقا إلى التخلي عن محاولتها للدفاع عن الأسعار وتصبح أكثر اهتماما بالدفاع عن حصتها في السوق، ما يؤدي إلى حدوث انهيار كامل للأسعار كما حدث عام 1985 ومرة أخرى في عام 1998.
إلا أن الواقع يشير إلى فروق جوهرية بين الوضع الحالي لسوق النفط العالمية وما كان عليه حال السوق في المرات السابقة، وأن هناك احتمالا ضعيفا جدا بأن تتراجع أسعار النفط العالمية إلى مستويات غير مقبولة لدول المنظمة، وعلى الأرجح فإن الأسعار مرشحة لمزيد من الارتفاع خلال الفترة القادمة. فظروف السوق النفطية الحالية مختلفة بشكل جذري عن ظروف السوق في أي مرحلة سابقة تعرضت فيها أسعار النفط الخام لتراجع حاد بعد ارتفاعها، ففي السابق كان هذا التراجع مدفوعا في الأساس بالتأثيرات السلبية لارتفاع أسعار النفط الخام على الاقتصاد العالمي، حيث يتسبب هذا الارتفاع في الحد من معدلات النمو الاقتصادي ويرفع من معدلات التضخم والفائدة العالمية، ينتج عنه تلقائيا تراجع واضح في الطلب على النفط ومن ثم في أسعار النفط الخام. فعلى سبيل المثال ترتب على ارتفاع أسعار النفط الخام في أواخر السبعينيات من القرن الماضي تأثير هائل على الاقتصاد العالمي حيث حققت اقتصادات العديد من الدول المستهلكة معدلات نمو سلبية وارتفعت معدلات الفائدة والتضخم فيها إلى مستويات تاريخية، ما تسبب في تراجع حاد في الطلب على النفط كان من نتيجته انخفاض إنتاج دول منظمة أوبك من نحو 30 مليون برميل يوميا في عام 1978 إلى نحو 16 مليون برميل يوميا فقط في عام 1985، أي أنها خسرت نحو نصف حصتها في السوق العالمية، اضطرت معها إلى وقف محاولاتها للدفاع عن أسعار النفط العالمية ما أدى إلى انهيارها.
في المقابل، نجد أن معدلات نمو الاقتصاد العالمي حاليا مرتفعة بل تفوق التوقعات السابقة. فتقرير صندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي في شهر أبريل الماضي كان يتوقع نمو الاقتصاد العالمي في عام 2006 بنسبة 4.9 في المائة وأن يحقق نموا قدره 4.7 في المائة في عام 2007، إلا أن الصندوق في تقريره الصادر في شهر أكتوبر الحالي رفع توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد العالمي في عام 2006 إلى 5.1 في المائة وإلى 4.9 في المائة في عام 2007، على الرغم من أن الفترة بين إعداد التقريرين شهدت ارتفاعا حادا في أسعار النفط الخام كان من المفترض أن يترتب عليه قيام الصندوق بتخفيض توقعاته حول معدلات نمو الاقتصاد العالمي لا رفعها, ما يؤكد أن ارتفاع أسعار النفط الخام لم يترتب عليه، على الأقل حتى الآن، أي تأثيرات سلبية واضحة على أداء الاقتصاد العالمي، وما زالت معدلات نموه أعلى بكثير من معدلاتها خلال العقدين الماضيين اللذين اتصفت أسعار النفط خلالهما بالتدني الحاد أحيانا.
لذا فقلق أوبك حول مستقبل أسعار النفط الخام قد يكون مبالغا فيه ولا يراعي الفروق الواضحة في ظروف السوق النفطية حاليا مقارنة بأي مرحلة سابقة، فالارتفاع الحالي في أسعار النفط هو نتيجة قوة نمو الاقتصاد العالمي لا بسبب الحد منه، والخطر على أوبك ليس في انخفاض أسعار النفط وإنما في أنها لا تستطيع تلبية النمو المطرد في الطلب على النفط إلا من خلال رفع كبير في معدلات إنتاجها وفق معدلات قد لا تتناسب مع مصالحها الوطنية، ما يسهم في استنزاف احتياطياتها بمعدلات متسارعة. وبما أن التوقعات تشير إلى أن الدول المنتجة خارج أوبك قد تكون قادرة وحتى عام 2010 على تلبية أي نمو في الطلب على النفط ما يحد من الحاجة إلى أي نمو إضافي في إنتاج أوبك، فإن أوبك مطالبة بتفادي حدوث نمو في إنتاجها النفطي خلال السنوات القليلة القادمة لضمان محافظة السوق النفطية على استقرارها، بل قد تضطر حتى إلى تخفيض إنتاجها كما حدث في اجتماعها أخيرا. إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن هناك خطرا يهدد أسعار النفط الخام وأنها مرشحة لتراجع حاد، فحتى لو تراجعت الأسعار فسيكون ذلك مؤقتا وسيملي ارتفاعا أكثر حدة لاحقا، فالعالم لن يستطيع الحصول على كل ما يرغب في الحصول عليه من النفط، والسبيل الوحيد لتحقيق توازن بين العرض والطلب في سوق النفط العالمية هو في محافظة أسعار النفط على مستويات مرتفعة.

* أكاديمي وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي