أدوات القطاع الخاص لتطبيق الحوكمة (3)
بعد انتهاء المؤتمـر الدولي العاشـر لمكافحة الفساد الذي عقد في براغ عام ????م، أجمع الحاضـرون على أن معظم الشركات في القطاع الخاص لديها القدرة على الحصول على أحدث برامج مراجعة الالتزام بالقوانـين والحوكمة، كمـا أجمعـوا علـى أن الحكومات لديها القدرة على الحصول على أعلى مستوى من الاستشـاريين القـادرين علـى شرح كيفية تطبيق قوانين منع الفساد بطريقة أكثر فاعلية. أما الحلقة الضـعيفة في رأي الكثير من الحاضرين فكانت تتمثل في وسطاء وشركاء الشركات الدولية والمتعددة الجنسيات، هؤلاء الشركاء بمن فيهم وكلاء البيع والاستشاريون والموردون والموزعون ومن يقومون بإعادة البيع والمقاولون من الباطن والحاصـلون علـى حقوق الامتياز والشركاء في الشركات المساهمة (وهم يلعبون دورا محوريا في سد ثغـرات المكـان والـزمان والعرف واللغة) وهي الثغرات التي تقع بين ثقافات العمل في الشركات الرئيسـية ومجـتمعات العمل المحلية الوطنية في الدول النامية.
ومن نتائج المؤتمر، تأسست منظمة تـريس علـى يـد عدد من القانونيين والمحامين والمسؤولين من القطاع الخاص المعنيين بالالتزام بالقوانين، ومنظمة TRACE هي مؤسسة "التوكيلات والمقـاولات الشفافة"، وهي منظمة لا تهدف إلى الربح تقوم على عضوية الشركات وتحدد معايير دولية للشركات الأعضاء التي تلتزم طواعية وعلانية بممارسة أخلاقيات الشركات وحوكمة الفساد.
وقامـت تـريس باسـتطلاع رأي أكثـر من ?? شركة في دول متعددة وصناعات مختلفة، واستخلصـت أهم السمات المشتركة في جميع خطط الشركات للالتزام بقواعد الحوكمة، فأصدرت دليلا عمليا لخدمـة مجـتمع الأعمال الدولي تحت اسم "معيار تريس الدولي للتعامل التجاري مع الوسطاء".
. TRACE Standard for Doing Business with Intermediaries Internationally
تطبق "تريس" هذا المعيار في إعداد تقاريرها للعناية الواجبة عن الأعضاء الذين يتقدمون طوعيا بطلب إعداد تقارير خاصة بهم، وتصبح التقارير متاحة لجميع الشركات الأعضاء التي تطلبها، ويؤدي تبادل المعلومات إلى منع ازدواجية الجهد المبذول سواء من الشركات أو من وسطائها .وبالإضافة إلى ذلك فـإن الوسطاء الذين يخضعون أنفسهم بمحض اختيارهم لهذا المعيار المرتفع من المراجعة والتدريب يقدمـون أنفسـهم للشـركات على أنهم شركاء في العمل ويلتزمون مع الشركات بممارسة أخلاقيات الأعمال.
ورحـبت الشـركات بمعيار تريس بصفته جزءا من برامج الالتزام التي تطبقها، كما رحب الوسطاء الأعضـاء بالفرصة المتاحة لهم لاستكمال عملية العناية الواجبة وبجعلها متاحة للشركات الأعضاء.
ولم يعد هناك مجال للازدواجية أو لإهدار الوقت والجهد والمال.. وتعهد بعض الشركات إلى فريق عمل من داخل الشركة لعملية القيام بمراجعة أوضاعها الداخلـية، كما يمكن أن تتم عملية المراجعة من قبل إحدى مؤسسات الاستشارات القانونية المعروفة بنزاهتها للقيام بهذه المهمة قبل أن تنضم الشركة لمنظمة تريس بصفة دائمة.
وتشمل المعايير ما يلي:
- معلـومات الاتصـال والخاصة بجميع مكاتب الشركة إن كان لها أكثر من فرع ومقر.
- المؤهلات التجارية والفنية في نطاق مجال عمل الشركة.
- ملكـية الشـركة وتعنـى ملكية وإدارة الشركة وما إذا كان هناك مصالح مرتبطة بالملكية لدى الموظفين الحكوميين أو المرشحين السياسيين أو مرشحين في أي مناصب حكومية.
- العلاقـات الأسـرية بالنسبة للأفراد أو المالكين أو الإدارة وما إذا كانت هناك روابط وثيقة مع الحكومة.
- المعلومات المالية لضمان وفاء الشركة أو الفرد المسؤول بالتزاماته في المجتمع.
- السير الذاتية لأعضاء مجلس الإدارة والإداريين التنفيذيين للتأكد من المؤهلات وتوافقها مع الواقع.
- تحديد ثلاث جهات أو أفراد في مجال الأعمال يمكن الرجوع إليهم لمراجعة البيانات المقدمة.
- الإفصاح عن حالات الإفلاس أو القضايا السابقة إن وجدت .
كما تـوزع "تـريس" نشرة إخبارية ربع سنوية تسلط فيها الأضواء على المبادرات والتغيرات الجديدة في قوانين مكافحة الفساد، كما تنشر تريس القوانين الجديدة في موقعها على شبكة الإنترنت. والهدف من جمـيع هذه المشروعات هو توضيح أي غموض في قوانين مكافحة الفساد وإتاحة هذه القوانين لأكبر عدد ممكن من الناس بعدة لغات مختلفة.
ولا يمكننا القول إن الجهود التي تبذلها "تريس" وغيرها من منظمات مكافحة الفساد كفيلة بمنع الفساد، فسـيكون هـناك دائماً بعض الاحتمال في أن ينجح الموظفون والوسطاء الذين يصرون على الفساد في انـتهاك القوانين .أما بالنسبة للغالبية الكبرى من الوسطاء والشركات وكل مَن يسعى إلى الحصول علـى فـرص مشروعة لترويج أفضل منتج بأفضل سعر مقابل مكافأة معقولة فإن "تريس" يمكنها أن تيسر لهم هذه العملية باستخدام مقياس مرتفع واحد .والشركات ليست ملزمة بأن تتبنى معيار "تريس"، ولكن يجب عليها استخدام معيار ثابت وقوي تطبقه بالدرجة نفسها.
وبالنسـبة للشركات التي لا تبذل أي جهد في هذا الصدد، فإن تريس يمكن أن تقدم لهم أداة فاعلة جدا قليلة التكلفة لتحقيق الالتزام المطلوب.
وكـذلك يجب على الشركات الأعضاء وضع أو تبني قواعد سلوكية مكتوبة أو ميثاق شرف يطبقه الجميع وتـتعاون "تريس" مع الأعضاء لتساعدهم على تفصيل القواعد السلوكية التي تهدف إلى مكافحـة الرشـوة والعمـولات السـرية والمحسـوبية، ويكون الأعضاء مطالبين أيضا بالمشـاركة في دورات تدريبية سنوية متخصصة عن مكافحة الفساد تعقد في مواقع مختلفة في أنحاء العالم كافة دون تكلفة إضافية. لقد كـان مجـتمع الشـركات يبحث عن أدوات جديدة عملية ورخيصة التكاليف لضمان الالتزام بقوانين مكافحة الفساد، وها هي "تريس" تقدم للوسطاء وللشركات التي تعمل معها حلولا إبداعية مؤثرة لما كان يعتبر عملية صعبة ومكلفة ومضيعة للوقت.
والسؤال هنا: هل القطاعان الخاص والحكومي في المملكة العربية السعودية في حاجة لمثل هذه المنظمة؟
مَن يستطيع الإجابة؟ وهل لو وجدت مثل هذه المنظمة محلياً ستقوم الشركات بالانضمام اليها؟
هل تستطيع شركات ومنظمات القطاعين الخاص والحكومي تطبيق أخلاقيات العمل وتطبيق لوائح الحوكمة على نفسها والسيطرة على الفساد؟
* للاطلاع TRACEinternational.org