أرقام وحقائق عن "العاطلين" في السعودية
العنوان الأبرز في "المجتمع السعودي" هو التالي: شباب لا يجدون وظائف؟ ونسبة البطالة بين المواطنين السعوديين بلغت 9.1 في المائة للذكور و26.3 في المائة للإناث. في ظل هذه الأرقام يجب على وزارة العمل، أن تعمل على جبهتين، الأولى محاولة تقليص فرص نمو العمالة الوافدة وترشيد نموها، والثانية تحفيز القطاع الخاص لتوظيف المواطنين.
إن وزارة العمل - إن صح التعبير - تعتبر وزارة "الحدث السعودي" وأصبح لزاما عليها أن تكون تحت الأضواء وتركض خلفها وسائل الإعلام والكتاب. وإن كان الوزير القصيبي يمارس "براغماتية" واضحة، من خلال مزيج من الصبغتين التشجيعية والإلزامية لتوطين الوظائف، ويحاول حالياً تكريس استراتيجية وطن بأكمله بناء على توجهات القيادية السياسية، المتمثلة في أن التوظيف مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع، فإيجاد وظيفة لكل مواطن همّ رجل الشارع العادي أو المسؤول وأعلى قمة في هرم القيادة!
وانطلق الوزير القصيبي في ممارسة مهامه، بناءً على واقع ميداني وأرقام إحصائية دقيقة أرسلت إلى جميع الغرف التجارية والشركات والإعلام، فاجأ المجتمع السعودي بها، بل أجزم أنه يرغب في إحداث "صدمة" مقصودة لتوعيتنا! هذه الأرقام العالية هي حصيلة دراسة مسحية وصفية قامت بها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وصندوق تنمية الموارد البشرية تحت عنوان "العاطلون عن العمل السمات والإدراك والتوجه"، بإشراف الدكتور على بن ناصر الغفيص.
إن الدراسة هي جرد حقيقي لواقع الأمس والغد، ويراد بها وضع القطاع الخاص والمجتمع في خندق واحد لمواجهة "آفة" البطالة، لتفادي آثارها الاجتماعية والاقتصادية السلبية على المجتمع. وأجد نفسي ملزماً، تبعاً لأهمية النتائج والأسلوب العلمي الذي انتهجته الدراسة، بأن أستعرضها، خصوصاً أنها كشفت لي أنا شخصياً، وربما ستكشف للآخرين، عن حقائق مهمة، تستدعي منا الوقوف أمامها، والتحرك سريعاً!
استخدم الباحثان الدكتور عبد اللطيف العوفي والدكتور عايض القحطاني المنهج الوصفي المسحي بواسطة استخدام الاستبيان كأداة بحث على مجتمع الدراسة أو عينة البحث، وهم الأشخاص العاطلون عن العمل في جميع مناطق السعودية. وهؤلاء هم أنفسهم من حضروا لتسجيل أسمائهم في وزارة العمل في الحملة التي أطلقتها الوزارة قبل عامين، وتم أخيراً اختيار عينات من مجتمع الدراسة بطريقة عشوائية منتظمة.
ولعل من أهم أهداف الدراسة، كان التعرف على السمات الشخصية والنفسية والاجتماعية للشباب السعودي العاطل عن العمل، وكشفت الدراسة هذه النتائج المهمة: 1- تقع فئة العاطلين عن العمل من السعوديين في الفئة العمرية بين 19 و26 عاماً مشكلين ما نسبته 78 في المائة من الإجمالي.
2 - شكلت الفئة العمرية بين 23 و26 عاماً أعلى نسبة، إذ بلغت 44 في المائة أي قريبة من نصف عدد العاطلين عن العمل، وهذا يرجع إلى العوامل التعليمية للعاطلين عن العمل.
3 - أظهرت نتائج الدراسة أن 63 في المائة من إجمالي عدد العاطلين من حملة الشهادة الثانوية العامة وما دون، و36 في المائة من حملة شهادة البكالوريوس، وأخيراً نسبة حملة الشهادات العليا نصف في المائة.
أما فيما يخص العنصر النسائي السعودي، فعلى رغم تزايد أعداد الخريجات الجامعيات مقارنة بالذكور، إلا أن نسبة عملهم لإجمالي القوى العاملة من الذكور للقطاعين العام والخاص لا تتجاوز ما نسبته 4.5 في المائة، وأن معظم الموظفات يعملن في القطاع الحكومي وخصوصاً في قطاع التعليم بنسبة زادت على 90 في المائة.
وأظهرت الدراسة أن الحالة الاجتماعية للعاطلين عن العمل، هم من "العزاب" إذ شكلوا نسبة 85 في المائة من الإجمالي، ما شكل صدمة لدى الباحثين، إذ تعني أن 15 في المائة منهم هم (أرباب أسر)، ما يعني أن ثمة خطراً كبيراً يهدد المجتمع السعودي من خلال هذه الأسر. أيضاً، أظهرت نتائج الدراسة أن آفة البطالة لها خطورة بالغة الأهمية على الفرد السعودي ذي الدخل المتدني أو المتوسط، فتشير النتائج إلى أن 59 في المائة من العاطلين يتحدرون من أسر فقيرة، يقل دخلهم الشهري عن ثلاثة آلاف ريال في حين أن 23.5 في المائة يتحدرون من أسر يقل دخلها عن ستة آلاف ريال ويزيد على ثلاثة آلاف ريال.
كذلك نسبة 40 في المائة من إجمالي العاطلين يتحدرون من أسر سعودية يعيش أربابها دون عمل، بينما يتحدر ما نسبته 35 في المائة من أسر يحصل رب الأسرة على راتب متوسط الدخل، حيث يعملون موظفين في القطاع الحكومي للدولة، بينما لا يعمل في القطاع الخاص سوى 5 في المائة من إجمالي أرباب أسرهم. وبحسب الدراسة، أن مما يزيد من خطورة البطالة على المجتمع، أن 95 في المائة من العاطلين لا تعمل أمهاتهم أي عمل هي (ربة منزل)، في حين أن 3.5 في المائة منهم تعمل أمهاتهم موظفات حكوميات. وهذا يعني أن أكثر من 40 في المائة من أسر العاطلين لا يعمل فيهم لا الأب ولا الأم، وهذه كارثة كبيرة لها تبعيات سلبية اجتماعية.
كذلك تدني المستوى التعليمي لأسر العاطلين عن العمل، فنسبة 84 في المائة من آباء العاطلين من حملة شهادة المتوسطة فما دون، بينما 96 في المائة من أمهات العاطلين من حملة الشهادة نفسها، والنتيجة الأخطر أن الأمهات الأميات اللواتي لا يعرفن القراءة ولا الكتابة شكلن الغالبية العظمى بنسبة تجاوزت 60 في المائة.
وتناولت الدراسة التوزيع الإقليمي لمستويات البطالة على مناطق السعودية البالغ عددها 13 منطقة، فالمنطقة الشمالية استقطبت ربع العاطلين بنسبة 25 في المائة، وفي المنطقة الشرقية 11.5 في المائة، وهذا يرجع طبعاً إلى أسباب التفاوت في توزيع التنمية. وتشير النتائج هنا إلى تركز العاطلين في المدن الرئيسة (71 في المائة)، بينما في القرى والهجر بلغت فقط 29 في المائة. وكان "السكن الشعبي" هو السكن لأكثر من 41 في المائة من إجمالي العاطلين عن العمل.
والمثير في نتائج الدراسة ما أظهرته حول الوظيفة المطلوبة والمفضلة لدى العاطلين، إذ فضل 58 في المائة منهم الوظيفة المكتبية، فيما أكد 29 في المائة القبول بأي وظيفة، ما يدل على مدى حاجتهم للعمل وعدم وجود تخصص لديهم. وكان أمراً متوقعاً أن نسبة 10 في المائة لا يرغبون في وظيفة فنية.
وكانت مفاجأة الباحثين في نتائج أسئلة فرضياتهما استنباط أن المستقبل في السعودية سيكون للتعليم الفني، إذ أيد أكثر من 65 في المائة هذه الفرضية، كما أيد 47 في المائة فرضية الباحثين أن خريجي الكليات الفنية يجدون الوظيفة المناسبة بسرعة، لكن 46 في المائة من عينة الدراسة يعتقدون أن التعليم المهني هو أقل مكانة اجتماعية من التعليم الأكاديمي.
ومرة أخرى، فوجئ الباحثان بنتائج ضعف برامج التدريب التي تلقاها العاطلون، فنسبة 56 في المائة منهم لم يحصلوا على أي برنامج تدريبي، في حين أن 32 في المائة حصلوا على برنامج تدريبي واحد فقط، و11 في المائة حصلوا على أكثر من برنامج تدريبي، وأكد العاطلون أنهم يدركون مدى أهمية التدريب للحصول على عمل، إذ وافق 76 في المائة على فرضية الباحثين بأن التدريب المكثف هو السبيل للحصول على عمل مناسب في القطاع الخاص، في حين أيد 50 في المائة منهم أن الإلمام باللغة الإنجليزية سيسهم في حصولهم على عمل مناسب في القطاع الخاص.
وأفردت الدراسة جزءا كبيراً لنظرة العاطلين تجاه القطاع الخاص، إذ إن 61 في المائة منهم يرى أن ساعات العمل في الشركات طويلة، وأكد 68 في المائة أن القطاع الخاص لا يتعاون لحل مشكلة البطالة وأنه لا يمنح موظفيه رواتب جيدة. لكن 71 في المائة ذكروا أنهم يفضلون العمل براتب قليل على الجلوس دون عمل. وأخيراً اتفق 70 في المائة على تفشي ظاهرة الواسطة وأنها أفضل من الشهادة أو التدريب.
وبطبيعة الحال وكنتيجة حتمية، أكد 57 في المائة من العاطلين أنهم يشعرون بالإحباط والقلق ويخافون من المستقبل، كما يشعر 35 في المائة منهم من الوحدة خصوصاً قاطني المنطقتين الشمالية والجنوبية. وأوصت الدراسة بتنفيذ سياسات عاجلة لحل مشكلة العاطلين، وفي مقدمتها وضع برامج بمشاركة جميع الوزارات، والتركيز على تصميم وتنفيذ حملات إعلامية تثقيفية مكثفة تهدف إلى توعية الشباب وذويهم بأهمية التعليم والتدريب واختيار التخصص المناسب لقدرات الفرد ولسوق العمل، وإزالة الاعتقادات السائدة في المجتمع السعودي بتفضيل الوظائف المكتبية والخدمية عوضاً عن الفنية.
ختاماً، قال العاطلون عن العمل كل شيء لديهم، في آمالهم وطموحاتهم، في مشكلاتهم وأثرها المستقبلي، فماذا نحن فاعلون؟ إنها قضية مجتمع ودولة، علينا التحرك سريعاً، دعونا نفكر في المصلحة الوطنية، بعيداً عن الشعارات، فكلنا مذنبون فيما آلت إليه أوضاع سوق العمل، وكلنا مسؤولون عن آثارها المستقبلية، وإصلاحها! ولتكن رسالتنا جميعا إلى وزير العمل، أن أيدينا في يدك، فأنت تعمل لمصلحتنا جميعاً وشكراً لك !