الرقابة على الشركات المساهمة أضحت مسألة أكثر إلحاحاً

يشهد الاقتصاد السعودي مرحلة ازدهار في قطاعاته كافة لم يسبق لها مثيل, حيث حقق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي. ولكن استمراره في تحقيق هذه المعدلات يتطلب دعم الأجهزة الداخلية التي يرتكز عليها أداء المشاريع الصناعية والتجارية. ومن أهم الأدوات الشركات المساهمة التي تلعب دوراً مهماً في العملية الاقتصادية بسبب ما تمتلكه من إمكانات مادية هائلة, ولتنوع أنشطتها. ويسري عليها نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 22/3/1385هـ
وقد أعد مشروع جديد للنظام ما زال قيد الدراسة لدى الجهات المختصة, يتناول تعديلات جوهرية في النظام الحالي. ومن أهم المسائل التي يتناولها هذا النظام مسألة الرقابة على الشركات المساهمة, حيث خصص لها المواد من المادة (129) إلى المادة (133).
والواقع أن الشركات المساهمة في حاجة ماسة إلى رقابة أكثر من ذي قبل, خاصة بعد أن ازداد نشاطها في مجال سوق المال وغيره. فالكثير من المنشآت الاقتصادية المهمة لا تملك الأداة الرقابية الفاعلة, وإن امتلكتها فهي لا تُعطيها الاهتمام الذي يؤهلها لأداء وظيفتها بقدر فعال.
ويوجد نوعان من الرقابة: الأول: الرقابة الخارجية: وهي إحدى الأدوات الرقابية التي تُمارسها جهات خارجية عن المنشأة, مثالها الإدارة العامة للشركات التابعة لوزارة التجارة ومؤسسة النقد العربي السعودي, حيث تنصب المهمة الأساسية للمراجع الخارجي على تدقيق القوائم المالية للشركات. وهنا توجد ثغرة مهمة تتمثل في أن إعداد هذه القوائم وما تتضمنه من معلومات يتم في الأصل من قبل إدارة الشركة, بحيث إن مهمة المراجع الخارجي تنحصر في تدقيق هذه القوائم.
أما النوع الثاني: رقابة داخلية: تتمثل في النظام المعلوماتي الرقابي الذي يتألف من عناصر عدة تتناول الإجراءات والوسائل والنظم والقواعد والسياسات التي تحكم جميع عمليات المنشأة أو المؤسسة بهدف حمايتها ومنع التلاعب. ويعتمد نجاح المنشأة في تحقيق أهدافها بصفة أساسية على كفاية هذا النوع من الرقابة. ويمارس هذا النوع من الرقابة مجلس الإدارة ومراقبو الحسابات ولجان المراجعة.
لهذا يوجب النظام على الجمعية العامة العادية لشركة المساهمة أن تعين مراقب حسابات أو أكثر وتحدد مكافآتهم ومدة عملهم، ويجوز لها إعادة تعيينهم، كما يجوز لها تغييرهم.
وضماناً لأداء مراقب الحسابات مهامه على الوجه الصحيح لم يجز النظام الجمع بين عمل مراقب الحسابات والاشتراك في تأسيس الشركة أو عضوية مجلس الإدارة أو القيام بعمل فني أو إداري في الشركة ولو على سبيل الاستشارة، ولا يجوز أن يكون المراقب شريكاً لأحد مؤسسي الشركة أو لأحد أعضاء مجلس إدارتها أو موظفاً لديه أو قريباً له إلى الدرجة الرابعة بدخول الغاية، ويقع باطلاً كل عمل مخالف لحكم هذه الفقرة ويلزم المخالف أن يرد إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني ما قبضه من الشركة .
ويعطي النظام لمراقب الحسابات في كل وقت حق الاطلاع على دفاتر الشركة وسجلاتها وغير ذلك من الوثائق، وله طلب البيانات والإيضاحات التي يرى ضرورة الحصول عليها، وله أن يحقق موجودات الشركة والتزاماتها. وعلى رئيس مجلس الإدارة أن يُمكنه من أداء مهامه, وإذا صادف في هذا الشأن أثبت ذلك في تقرير يقدم إلى مجلس الإدارة .
ويجب على مراقب الحسابات أن يقدم إلى الجمعية العامة العادية السنوية تقريراً يضمنه موقف إدارة الشركة من تمكينه من الحصول على البيانات والإيضاحات التي طلبها، وما يكون قد كشفه من مخالفات لأحكام هذا النظام أو أحكام نظام الشركة، ورأيه في مدى مطابقة حسابات الشركة للواقع. ويتلى التقرير في الجمعية العامة، وإذا قررت الجمعية المصادقة على تقرير مجلس الإدارة دون الاستماع إلى تقرير مراقب الحسابات كان قرارها باطلاً.
ولا يجوز له أن يذيع إلى المساهمين أو الغير ما وقف عليه من أسرار الشركة بسبب قيامه بعمله وإلا وجب تغييره فضلاً عن مساءلته عن التعويض.
ولم يكتف المنظم السعودي بذلك بل صدر القرار الوزاري في عام 1994 الذي أوجب تشكيل لجان للمراجعة في كل شركة مساهمة من الأعضاء غير التنفيذيين في مجالس إداراتها بحد أدنى ثلاثة أعضاء, ويكون لهذه اللجان مهام استشارية ورقابية , فتعرض تقاريرها على مجلس الإدارة وجمعية المساهمين فيما يختص بتعيين المدقق الخارجي للحسابات وتحديد مهامه ومسؤولياته , والتي تتمثل في ترشيح مراجع الحسابات الخارجي من بين ما لا يقل عن 15 مراجعا يطلب منهم التقدم بعروضهم, وتحديد نطاق المراجعة بما يتلاءم مع ظروف الشركة وتحديد أفضل عرض في ضوء الكفاءة والخبرة .
ورغم هذا التطور الملحوظ في مهام المراقب الخارجي إلا أننا نأمل أن يتضمن مشروع نظام الشركات الذي ما زال قيد الدراسة نصوصاً توسع من نطاق مهام لجان المراجع الداخلية, لما تحققه من ميزات تفوق تلك التي تحققها المراقبة الخارجية, ذلك أن الرقابة الحمائية المانعة أفضل من الرقابة العلاجية اللاحقة التي تتدخل لمعالجة الانحراف والفساد. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن اختيار أعضاء هذه اللجان من خارج أعضاء المجلس يمكن أن يؤثر سلباً في أعمال الشركات ومشاريعها نظراً لاحتمال تسريب المعلومات والبيانات السرية لشركات ومشاريع منافسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي