رفع تكلفة العمالة الأجنبية أم تدوير رسوم توظيفها.. أي الخيارين أنسب؟

[email protected]

تحيز قوى سوق العمل لصالح توظيف العمالة الأجنبية يمثل أخطر وأهم أسباب ضيق فرص العمل وتدني مستوى أجور العمالة السعودية في القطاع الخاص السعودي، وينذر بكارثة اجتماعية أمنية اقتصادية ما لم تتخذ خطوات حقيقية لحل مشكلة تنامي البطالة واتساع ظاهرة الفقر المترتبة عليها.
الخيار الأبرز لردم هذه الفجوة بين تكلفة توظيف العامل الأجنبي والسعودي يتمثل في رفع تكلفة توظيف العامل الأجنبي على صاحب العمل من خلال زيادات كبيرة في رسوم الاستقدام والإقامة ورخص العمل، ما يسهم في زيادة جاذبية العامل السعودي ويوسع من فرص العمل المتاحة له. هذا الرفع يصطدم بمصالح قطاع الأعمال بصورة تجعل من غير المتوقع تبنيه حلا لهذه الإشكالية، ما يتطلب البحث عن حلول بديلة تحقق الغرض نفسه لكن لا تواجه معارضة من قبل القطاع الخاص.
في مقالي في "الاقتصادية" بتاريخ 21/3/2007 بعنوان "اقتراح سينجح السعودة" قدمت حلا بديلا عن رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية، يتمثل في إنشاء صندوق لتدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية، تتم من خلاله إعادة رسوم توظيف العمالة الأجنبية إلى القطاع الخاص على شكل حافز أو إعانة لقاء توظيف العمالة المواطنة، بشرط تجاوز أجر تلك العمالة حدا أدنى معينا، اقترحت أن يكون أربعة آلاف ريال شهريا. تطبيق هذا الاقتراح سيسمح برفع أجر العامل السعودي في الوقت الذي تنخفض فيه تكلفة توظيفه على صاحب العمل، وتبني الدولة له يظهر جليا حرصها على إيجاد حل لهذه الإشكالية من خلال خلق بيئة مناسبة لتفعيل وتطوير دور المواطن في عملية التنمية.
والحقيقة أنني كثيرا ما كتبت مطالبا برفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية لاستعادة توازن قوى سوق العمل وجعلها من جديد تعمل لصالح توظيف المواطن، إلا أنني أجد الآن أن اقتراح صندوق إعادة تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية أنسب وأكثر عملية ويحقق مكاسب أكبر بكثير من المكاسب التي يحققها خيار رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية، وذلك للأسباب التالية:
1- إن ردم الفجوة بين تكلفة العمالة السعودية والوافدة الذي يحققه صندوق تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال رفع هائل في تكلفة توظيف العمالة الأجنبية، تتضاعف بموجبه رسوم توظيف العمالة الأجنبية عشرات المرات، ما يعني مواجهته معارضة شرسة من قطاع الأعمال يصبح معها تبنيه أمراً مستحيلا.
2- إن معالجة اختلال قوى سوق العمل من خلال رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية ستترتب عليها زيادة كبيرة في أعداد العمالة المخالفة غير النظامية تفاديا لدفع رسوم التوظيف المرتفعة جدا، في حين أن تطبيق خيار صندوق تدوير رسوم العمالة الأجنبية سيترتب عليه تضييق لفرص العمل أمام العمالة الأجنبية ما يحد من العمالة السائبة والمخالفة.
3- إن رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية يقوم على فكرة معاقبة موظفي العمالة الأجنبية وجعلهم يدفعون رسوما مرتفعة جدا ثمنا لذلك، بينما خيار تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية يهدف إلى الحد من جاذبية العمالة الأجنبية وتشجيع توظيف العمالة السعودية من خلال تخفيض تكلفة توظيفها على صاحب العمل وجعلها أكثر استعدادا للعمل برفع الحد الأدنى لأجورها دون أن يتحمل صاحب العمل ذلك، ما يسهم في تبني قطاع الأعمال جهود السعودة بصورة طوعية.
4 - إن زيادة محدودة تدريجية في رسوم توظيف العمالة الأجنبية مستقبلا تكفي لتوفير تمويل كبير لصندوق تدوير رسوم توظيف العمالة الأجنبية، يجعله قادرا على مواصلة دوره بكفاءة حتى في ظل نجاح الصندوق في تحقيق نمو كبير في أعدد العمالة السعودية في القطاع الخاص.
إننا في أمس الحاجة إلى قطع دوامة الاتكال والتبلد، وإطلاق عملية إعادة بناء لمجتمعنا تحيله مرة أخرى إلى مجتمع متكامل يعتمد على ذاته، وتأخير تحقيق ذلك لن يكون في مصلحة أحد بما في ذلك القطاع الخاص نفسه، الأمر الذي يستدعي اتخاذ خطوات تظهر جديتنا في التعامل مع مشكلة البطالة وتبني حلول عملية تقضي عليها، لا أن نضع رؤوسنا في الرمل ونتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، فثمن ذلك أكبر من أن نستطيع دفعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي