حكم العيدين (1 من 2)
العيد في الإسلام غبطة في الدين وبهجة في الدنيا والحياة ومظهر القوة والإخاء، إنه فرحة بانتصار النفس المؤمنة على الشهوات والأهواء وفرحة بالخلاص من إغراءات شياطين الإنس والجن والرضا بطاعة الله، ومن الناس مَن تطغى عليه فرحة العيد فتستبد بمشاعره ووجدانه لدرجة تنسيه واجب الشكر والاعتراف بالنعم وتدفعه إلى الزهو بالجديد والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي والكبر والتعالي.
إن الحديث عن رخص العيدين والفسحة فيهما ليحرك المشاعر إلا أن العيد قد يأتي على أناس قد ذلوا بعد عز وشردوا بعد اجتماع وطردوا من ديارهم وأوطانهم وانتهكت أعراضهم وأسر ذووهم ولاقوا من البؤس ألوانا فتهيج في نفوسهم الأشجان وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان فاعتاضوا عن الفرحة بالعيد بالبكاء وحل محل البهجة الأنين والعناء .. كم يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية ويتلمس حنان الأم الرؤوم، يشتاق إلى مَن كان يخفف بؤسه في العيد، وكم أرملة توالت عليها المحن فقدت عشيرها فتذكرت بالعيد عزا مضى تحت كنف زوج عطوف؟ وكم من أسرة قد فقدت ربها أو عزيزا عليها فأصبح العيد ذكرى مواجع وآلام؟ وكم من شعوب مسلمة يأتي عليها العيد وهي تعاني صنوف الفاقة والخوف والقتل والجوع. ومناسبة العيد مناسبة شرعية، عيد الفطر بمناسبة انتهاء المسلمين من صوم رمضان، والأضحى بمناسبة اختتام عشر ذي الحجة، والجمعة عيد الأسبوع، وليس في الإسلام عيد غيرهما، قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد للأنصار عيدين يلعبون فيهما، فقال: "إن الله قد أبدلكم بخير منهما عيد الفطر وعيد الأضحى"، رواه أحمد وأبو داود، مما يدل على أن الرسول لا يحب أن تحدث أمته أعياداً سوى الأعياد الشرعية التي شرعها الله عز وجل.
اشتهر في السير أن أول صلاة عيد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، ولم يزل صلوات ربي وسلامه عليه يواظب عليها حتى فارق الدنيا، فصلاة العيدين من أعلام الدين الظاهرة، لذا ذهب الإمام أبو حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول إن صلاة العيدين فرض عين على كل مكلف خال من الموانع والأعذار، وأنه يجب على جميع المسلمين أن يصلوا صلاة العيد، ومَن تخلف فهو آثم، واختار هذا القول ابن القيم – رحمه الله – والشيخ عبد الرحمن السعدي، كما في المختارات الجلية، قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – وهو عندي أقرب الأقوال لما روى البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد، حتى إنه أمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى. والأمر يقتضي الوجوب، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء، فالرجال من باب أولى، لأن الأصل في النساء أنهن لسن من أهل الاجتماع، ولهذا لا تشرع لهن صلاة الجماعة في المساجد، ولو كانت صلاة تجزئ بحضور الرجال لما أمر ذوات الخدور والحيض أن يخرجن للمصلى.