قل لي: ما هي رؤيتك؟
تعرف أدبيات الإدارة التخطيط "أنه الطريق الذي يرسم بصورة مسبقة ليسلكه المسؤولون عن اتخاذهم القرارات وتنفيذهم العمل"، كما عرفه البعض "أنه عملية مستمرة لتحقيق هدف محدد وتتطلب تحديد الوسائل وإعداد البرامج اللازمة للنشاطات المختلفة على ضوء المعلومات المتوافرة من البيئتين الداخلية والخارجية"، ومن وجهة نظري المتواضعة هو أيضاً عملية تستطيع بها المؤسسة أن تكشف عن موقفها الحاضر وترسم سياستها للمستقبل حيث تحقق الاستفادة الكاملة من الموارد والإمكانات المادية والبشرية بما يحقق الارتفاع بمستوى الأداء، وفي وقتنا الحاضر قلما نجد منشأة في القطاعين الخاص أو العام أو القطاع الثالث لا تتوافر لديها خطة قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل.
ويزخر علم الإدارة بعدد من المصطلحات الأساسية وثيقة الصلة بالتخطيط، الاستراتيجي، منها على سبيل المثال: الخطة، الرؤية، الرسالة والإستراتيجية، البرامج، السياسات، والجداول الزمنية. وسأكتفي بتوضيح المقصود بالرؤية، وهي تصور مأمول للمؤسسة في المستقبل، أو هي الحلم أو صورة كلية لما يجب أن تكون عليه المنظمة في المستقبل، أو هي الهدف العام المراد تحقيقه في الأجل الطويل، وتنبثق أهمية الرؤية في أنها هي اللبنة الأساسية التي ترتكز عليها بقية عناصر ومراحل التخطيط الاستراتيجي، ولذلك يجب أن تتوافر فيها عدد من المقومات أو الشروط مثل: اتساقها مع رسالة المنظمة أو المهام أو المجال الذي تعمل به، والثبات والاستقرار على مدى زمني طويل إلى حد ما، والارتباط بالبيئة المحلية، وتناسبها مع الإمكانات المادية والبشرية في المنظمة.
وإذا كان التخطيط من أهم الوظائف على المستوى المؤسسي، والأساس الذي تعتمد عليه الوظائف الإدارية الأخرى. كذلك الحال بالنسبة للرؤية التي هي أهم عنصر من عناصر الخطة الاستراتيجية، ولذلك يحق لنا أن نتساءل عن أهمية وجود عملية التخطيط والرؤية المرتبطة بها على المستوى الشخصي للأفراد في المجتمع.
الحقيقة التي يجب أن ندركها ونحن في عصر العولمة هي أن التخطيط عملية حياتية وإدارية أساسية للمجتمع والمؤسسات والأفراد على حد سواء، وآمل أن يأتي يوم نتغير فيه ونرى مفهوم التخطيط وقد أصبح جزءاً من ثقافة مجتمعنا. فمن واقع إلمامي بواقعنا الاجتماعي توصلت إلى أننا نتصف بما يلي:
ـ لا نخطط، ونُُسير حياتنا دون هدف أو رؤية واضحة للمستقبل، أي أننا نعمل وفقاً لمبدأ "كل شيء في أوانه حلو" ولعل أبسط مثال على ذلك هو تأخير البعض عملية التفكير والتخطيط لامتلاك مسكن خاص للأسرة لما بعد الحصول على التقاعد في سن الـ 60، مما يترتب عليه إرباك أوضاع الأسرة مالياً واجتماعياً، وكذلك تأجيل طلاب الثانوية العامة لعملية التفكير واختيار الجامعة أو التخصص في المرحلة الجامعية لما بعد صدور النتائج في نهاية العام، الأمر الذي يؤدي إلى تخبط الطالب وتنقله من جامعة إلى أخرى بحثاً عن تخصص مناسب لقدراته وميوله.
ـ لا ندير الأزمات قبل وقوعها استناداً إلى رؤية واضحة ، ولا نعالج المشكلات التي تواجهنا من منبعها، بل ننتظرها حتى تصل إلى المصب، أو حتى تقع الفأس في الرأس ثم نتحرك، لذلك تأتي الحلول مرتجلة ترقيعية قد تسبب مشكلات أخرى. وبذلك تثبت صحة المقولة: إن الفشل في التخطيط تخطيط للفشل.
خاتمة: يزخر القرآن الكريم والسنة النبوية بالتوجيهات التي تدعو الإنسان إلى الأخذ بالأسباب والتفكير برؤية واضحة في المستقبل فيما يختص بالأمور الدنيوية والآخرة كما في قوله تعالى في الآية (77) من سورة القصص ، "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا". أما رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد اختزلها في كلمتين بقوله "أعقلها وتوكل"، والله الموفق.