النفط ومراقبة التطورات الجيوسياسة والاقتصادية


شهدت أسواق النفط تقلبات كبيرة، مدفوعة بمخاوف العرض، التطورات الجيوسياسية، تأرجح توقعات الطلب. وحققت أسعار النفط مكاسب في بداية الأسبوع الماضي بسبب القيود على روسيا وإيران، لكنها عادت وتراجعت بشكل حاد في منتصف الأسبوع مع ارتفاع المخزونات، تشدد السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والاختراقات المحتملة في محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا. تقيم الأسواق الآن ما إذا كان تعافي الطلب يمكن أن يعوض تزايد المخاطر الهبوطية.

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت للأسبوع الرابع على التوالي بنحو 0.37% واستقرت عند 74.74 دولار للبرميل. واستقر خام غرب تكساس الوسيط عند 70.74 دولار بانخفاض 0.77%.

في وقت مبكر من الأسبوع، وجدت أسعار النفط زخما صعوديا مع ظهور مخاطر العرض، حيث انخفض إنتاج النفط الروسي إلى ما دون حصته في "أوبك+" إلى 8.962 مليون برميل يوميا، ما خفف من مخاوف تخمة العرض وأثار ارتفاعا قصير الأمد. كما واجهت إيران قيودا متزايدة على صادراتها بسبب العقوبات الأمريكية الجديدة، ما عزز توقعات تشدد العرض العالمي. وشجعت هذه الاضطرابات المتداولين على دفع أسعار النفط إلى الارتفاع. لكن، هذا التفاؤل تلاشى مع هيمنت مخاوف الطلب على معنويات السوق في وقت لاحق من الأسبوع.

وتكثفت المشاعر الهبوطية مع ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية. وأفاد معهد البترول الأمريكي عن زيادة كبيرة في المخزونات بلغت 9.4 مليون برميل، ما أثار مخاوف من زيادة العرض. وأكدت إدارة معلومات الطاقة هذا الأرتفاع. على الرغم من انخفاض مخزونات البنزين والمقطرات، إلا أنها لم تكن كافية لمواجهة المشاعر الهبوطية بشكل عام.

ما زاد من الضغوط الهبوطية، التوقعات الأقتصادية الحذرة من قبل رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ما يشير إلى أنه من غير المرجح خفض أسعار الفائدة في الأمد القريب. وعادة ما تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى إبطاء النشاط الاقتصادي، ما يقلل من استهلاك الوقود في القطاعين الصناعي والاستهلاكي. كما راقب السوق عن كثب بيانات التضخم، والتي قد تؤثر في موقف السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي في المستقبل.

ما أضاف إلى المشاعر الهبوطية، ظهور أنباء تفيد بأن روسيا وأوكرانيا منفتحتان على مفاوضات السلام، ما قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات الغربية على النفط الروسي. بالفعل، ضغطت هذه الأنباء على أسعار النفط في منتصف الأسبوع، مع تكهن المتداولين بأن الاختراق الدبلوماسي قد يغرق السوق بإمدادات إضافية. وهذا يوضح مدى حساسية السوق للتحولات الجيوسياسية. وفي الوقت نفسه، أشار بعض المحللين إلى أن روسيا قد تحافظ على مستويات صادراتها من خلال طرق تجارية بديلة، ما زاد من الضغط الهبوطي.

لكن، على الرغم من الضغوط الهبوطية، قدمت بعض العوامل الدعم في الأمد القريب، حيث، أظهر الطلب على النفط علامات مرونة. في هذا الجانب، أفاد محللو جي بي مورجان بأن الاستهلاك العالمي ارتفع إلى 103.4 مليون برميل يوميا، بزيادة 1.4 مليون برميل عن العام السابق. كما ساعد الارتفاع الأقوى من المتوقع في الطلب في فبراير على موازنة مخاوف العرض.

من جانبها، أبقت أوبك على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على مدى السنوات القادمة دون تغيير، حيث حددت النمو في عامي 2025 و2026 عند 1.45 و 1.43 مليون برميل يوميا على التوالي، حتى مع الاعتراف بالتأثير الهبوطي المحتمل للرسوم الجمركية.

إضافة إلى ذلك، قدم تراجع التوترات التجارية دفعة متواضعة للمشاعر الصعودية، حيث إن تأجيل تنفيذ الرسوم الجمركية الجديدة حتى شهر أبريل، وفر هدنة مؤقتة للأسواق. قدم التأخير في فرض الرسوم الجمركية انتعاشا طفيفا في الأسعار، ما منع خسائر أعمق.

ومع ذلك، لا يزال التأثير الطويل الأجل غير مؤكد، حيث فرضت الصين بالفعل رسوما جمركية جديدة على واردات الخام الأمريكية ردا على ذلك، ما حد من الطلب على الإمدادات الأمريكية في آسيا. وقد يؤثر هذا في أسعار النفط في الأسابيع المقبلة.

في الوقت الحالي، تستمر الضغوط على أسعار النفط مع ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية، تشدد سياسة الاحتياطي الفيدرالي، والتطورات الجيوسياسية المحتملة التي تزيد من مخاوف وفرة العرض. في حين يقدم تعافي الطلب بعض الدعم. يراقب السوق عن كثب التطورات الحيوسياسة والاقتصادية التي قد تملي الخطوة التالية، مع استمرار ضعف معنويات السوق. ما لم تظهر محفزات صعودية جديدة – مثل البيانات الاقتصادية الأقوى من المتوقع أو انقطاعات جديدة في الإمدادات – فمن المرجح أن تظل أسعار النفط تحت الضغط في الفترة المقبلة. من دون تحول في الأساسيات، لن يتمكن السوق من استعادة الزخم الصعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي