جهاد الألفية الجديدة
لا عجب في أن تتغير الظواهر الطبيعية وتصغر الأشياء في أماكن، فيما تكبر في أماكن أخرى ويتقلب المناخ بمجرد مرور الزمن وهذا من طبيعة الحياة، لكن من غير الطبيعي أن تتغير أيضاً المفاهيم البشرية بالتقادم وبالأخص ذات الصبغة الدينية وهي المعروفة بأنها صالحة لكل زمان ومكان.
من كان يتوقع أن تتغير مفاهيم الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام إلى الشكل الذي نراه اليوم، وهو تصور لم يكن له ليكون كما هو اليوم، لقد تغيرت مفاهيم الجهاد إلى حد تغيرت فيه نظرة البشرية له، فما خطط له ليكون رمزاً لاستعادة الحقوق أصبح رمزاً لاستلابها، وما بني ليكون معول بناء أمسى ليكون أداة هدم، وما شرع لحقن الدماء غدا عنصراً حيوياً لاستباحتها، وما أسس ليكون ركيزة أساسية لتحرير بلاد المسلمين من الاحتلال أصبح ذريعة لقوى الاستعمار لوضع يدها على أراضي وخيرات المسلمين.
للأسف هكذا عرف لنا مجاهدو اليوم معنى الجهاد وهكذا رسموه، استباحوا الأموال والأنفس لتحقيق مآربهم مستخدمين هذه الشعيرة كمطية لتنطلي الحيلة على الضعفاء ممن تحركهم العواطف وتستثيرهم حملات التعبئة، ومع ذلك أثبتت الشواهد التي تتالت أخيرا للجميع أن الجهاد براء منهم ومن أعمالهم.
أي جهاد يمنح أفراد القاعدة الحق في تفجير بلاد المسلمين واستهداف الآمنين في السعودية، وهل يبدأ تحرير فلسطين من القتل في وسط الرياض؟ وهل الجهاد يكمن في أن تقتل فئات متطرفة في باكستان مواطنين عزل وتفجر في مراكز عسكرية لا ناقة لها ولا جمل، أم أن الجهاد يكمن في احتلال بيروت كما فعل حزب الله من خلال التغرير بإخوانهم اللبنانيين في سبيل ما سمي المقاومة؟ ولماذا يقتل مئات الجزائريين الأبرياء باسم الجهاد؟ والأمر ينسحب على مواقع عدة في العالم الإسلامي مثل مصر والمغرب واليمن والعراق.
هناك أياد خفية تحرك المغيبين فكرياً لتحقيق أهداف استراتيجية ومكاسب سياسية وذلك باستخدام أفيون الشعوب (الدين).
بالأمس خرج علينا أمين حزب الله من قمقمه ليعلن اعترافه بأن خلية لبنانية تعمل في مصر وذلك في سبيل دعم القضية الفلسطينية، وهو اعتراف سخيف لا ينطلي إلا على البسطاء من القوم، كما أنها محاولة لكسب العواطف بعد النقد اللاذع الذي وجه للحزب والتشكيك بدوافعه ومصداقيته بسبب عدم دعمه لحماس إبان الحرب على غزة في العام المنفرط وهي التي قدمت له يد العون في حرب أيلول (تموز). ما الذي يدفع حزب الله وأمينه لتقديم العون للفلسطينيين من خلال انتهاك السيادة المصرية؟ ولماذا يذهب بعيدا وهو يملك حدوداً مباشرة تطل على كتائب الجيش الإسرائيلي؟ ولماذا لا يستخدم الأراضي السورية المحتلة والقريبة منه التي يملك علاقة تاريخية واستراتيجية مع قيادتها؟
كل علامات الاستفهام هذه تؤكد أن جهاد نصر الله وحزبه لم يكن للفلسطينيين وإنما لتنفيذ أجندات لقوى إقليمية لديها حسابات لم تنته مع القيادة والشعب المصريين، وهو جهاد لا يختلف عن سابقيه ممن خلقوا لنا نمطاً جديداً.
تتبقي علينا مهمة تاريخية لتنظيف هذه الشعيرة من رماد المرتزقة، الذين أحسنوا التنظير وأساءوا التطبيق، وإعادتها إلى أصولها لرسم صورة نمطية حقيقية عن الإسلام وشعائره التي تدور في فلك تقديم الخير للبشرية وعدم منح الفرصة لأي كان للعبث بقيم الإسلام.