المفلسون الصغار والمفلسون الكبار
في انهيار شباط (فبراير) 2006 أفلس الآلاف من صغار المستثمرين فخسروا أموالهم ومدخراتهم وثرواتهم وأصبحوا على البلاطة! ومنهم من اضطر - تحت ضغط البنوك - إلى بيع البلاطة! وعلى الرغم من كثرة البلاط المباع في تلك الأيام إلا أن البلاط والحديد والأسمنت لم تنخفض أسعاره! ولكنها تضخمت وارتفعت وأصبح أولئك يعانون الأمرَّين: انخفاض الدخل والتضخم. وطالب أولئك بمساعدتهم ودعمهم ماديا وكانت الإجابة: "طبخ طبختيه... يالرفلا كُليه". والحقيقة أنهم أكلوا طبخا لم يطبخوه وإنما طبخه الهوامير!
ويبدو أن الأزمة تفتقر إلى اللباقة ولا تعلم بأن "الناس مقامات" فبدأت تضرب بيدها العوراء في كل مكان و"طرق" الإفلاس أبواب العشرات من "صانعي" السوق الكبار ولم يعد "حكرا" على صغاره! والمفارقة العجيبة أنه بعكس أزمة صغار المستثمرين فإن أزمة الكبار اشتعلت في وقت انخفضت فيه أسعار الأصول مما جعلهم يعانون الأمرين أيضا: عدم قدرتهم على السداد لانخفاض إيراداتهم، إضافة إلى انخفاض قيمة ضماناتهم لدى البنوك. ومرة أخرى خرجت أصوات تطالب بالتدخل لإنقاذ تلك الشركات من الإفلاس بحجة تأثيره في الاقتصاد الوطني. وقامت تلك الشركات بالتلويح باضطرارها لفصل الموظفين السعوديين على الرغم أن بعضها لا يوظف سعوديين وسبق أن تلقى إنذارات من مكتب العمل بخصوص السعودة!
عموما يبقى السؤال المهم ما الواجب عمله تجاه تلك الشركات؟ أولا وكالعادة لا يوجد لدينا معلومات كافية ولا حتى (معلومات غير كافية!) عن ماهية تلك الشركات ولا عددها وحجم ارتباطاتها ومديونياتها، ولذا سأتجاوز التحليل الكمي إلى التحليل الوصفي للمشكلة. تلك الشركات ليست شركات مالية تدير أموال الناس او تستقبل ودائعهم ولذلك فالحديث أنّ إفلاسها سيسبب عواقب وخيمة على الاقتصاد هو مبالغة يجب عدم الالتفات إليها كثيرا خاصة في السعودية، حيث يعتمد الاقتصاد على النفط أكثر من اعتماده على الاستهلاك الداخلي أو تصدير القيمة المضافة ومن هنا فإن إفلاس بضع شركات لن يعرقل نمو الاقتصاد. إفلاس تلك الشركات لا شك له آثار سلبية وخصوصا في موظفيها وبعض الجهات المرتبطة بعقود معها، ولكن أثر إفلاسها يختلف من جهة إلى أخرى حسب حجم ارتباطاتها ونوعية تلك الارتباطات.
المثل يقول حين يفلس الصغير فهي مشكلته هو وحين يفلس الكبير فتلك مشكلة البنك. والبنوك أكثر حرصا على ألا تفلس تلك الشركات لأن ذلك سيؤدي إلى تسجيل خسائر مباشرة للبنوك وستخسر عملاءها. ولكن إذا سمحت البنوك لهذه الشركات أن تفلس (وهي الأعلم بتفاصيل حساباتها) فذلك يعني أن الخرق اتسع على الراقع وأن وضعها ميؤوس منه. لكن ربما يكون من الحكمة إنقاذ تلك الشركات، ولكن يجب ألا يكون ذلك بمثابة جائزة لتلك الشركات على دخولها في مخاطر غير محسوبة ومن هنا يجب أن تصاغ آلية إنقاذ تلك الشركات بالطريقة التي تعود بالخير للوطن مباشرة كأن تستثمر الحكومة في تلك الشركات، أو أن يكون الإنقاذ مشروطا بأن تقدم تلك الجهات برامج لخدمة المجتمع وتقديم المسؤولية الاجتماعية عليها لأبناء الوطن.